بصراحة أنا وصلني هاد الموضوع من صديقي كاتب الموضوع و حبيت و رجيكون ياه لأن بيعكس صورة مخيفة و مضحكة و مبكية في الوقت نفسه....
بعد إطـّلاعي على خبر منشور بسيريانيوز بعنوان "محافظ حمص يستجيب لشكوى احد قراء سيريانيوز ويقيل مدير مشفى حكومي"، و إلى جانب فرحتي بأن السلطة الرابعة بدأت تؤدي دوراً فعالاً من خلالكم، قفزت إلى ذهني أفكار تفرض نفسها على عقلي دائماً بسبب كثرتها و تراكمها، و اشتراكها بنفس الصفة.
و بما أن المشكلة متشعبة جداً، و المسؤولية ليست على فرد بعينه، و إنما تتجاوزه لتطال مجتمعاً بأسره، جاء الموضوع متشعباً أيضاً و بطريقة قد تجعل البعض يتهمني باللاموضوعية.
من المشفى نبدأ. بإلقاء نظرة على الصور المنشورة يتبين لنا بوضوح إن إكساء المبنى أصلاً لا يمت إلى المواصفات الإكسائية الواجب إتباعها في المشافي بصلة. إن إتباع مبدأ "ما بيأثر" مثلاً أدى إلى إنجازه بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي نقوم بها بإكساء مدرسة حكومية في بلدنا.
إن أغطية مصارف المياه مفقودة و بلا مصافي لأنها أساساً ذات نوعيات رديئة و الصناعة السيئة التي غمرت السوق جعلت الناس الدراويش و المتعهدين الأكابر يعتقدون أن لا فرق بين غطاء بـ 300 ل.س و آخر بـ 35 ل.س مثلاً مع العلم أن المعادن و القياسات و طبقة النيكل "إن وجدت" تختلف جذرياً. إضافةً إلى إهمال العاملين بالمشفى و اتباعهم لمبدأ "ما بيأثر" في كل حركاتهم و سكناتهم. و الجهل حتى بالأمكنة المناسبة لإستخدام المنظفات المناسبة يطال كل المسؤولين عن النظافة تماماً كما يطال معظم الصبايا من الجيل الصاعد اللواتي ينشأن ضمن أسر تعودت ألا تقرأ إلا المناهج الدراسية، و التي بدورها تخلف معلومات جاهزة للتبخر من الأذهان بمجرد إنتهاء الإمتحان. مادة الفلاش مثلاً، و هي حمض كلور الماء الممدد، كل الشركات المصنعة لها على اختلاف درجات فشلها أو نجاحها توضح على عبوات الفلاش أنها مخصصة للإستخدام على المراحيض و الأسطح السيراميكية و ليس على البلاط! و لكنني خلال حياتي الطويلة في هذا المجتمع لم أصادف أحداً قرأ هذه التعليمات! بل على العكس، لاحظت أنهم لا يستخدمونه إلا في الأماكن الغير مخصصة له. و باءت محاولاتي لدعوة بعضهم لقراءة التعليمات بالفشل إذ أنهم كانوا يتابعون "فيديو كليب" جديد و فريد. إن الغازات المخرشة المضرة لا تنتج إلا عن تفاعل الحمض إما مع كمية خارقة للعادة من الأوساخ (ذات الطابع القلوي، كالتكلسات الناتجة عن مرور مياهنا الغير معالجة على المناطق المعرضة لها باستمرار) أو مع البلاط نفسه لأنه قلوي و لا يقاوم الحموض القوية. ثم كيف سنتوقع من ممرض أو غيره التقيد باليونيفورم الخاص بالمشفى إذا كان المكان لا يوحي بأنه مشفى؟ و أحب أن أشير إلى إقتراح أحد السادة المعلقين بوجوب وجود آلة لمسح البصمة يجب على الموظف استخدامها لإثبات وجوده، الإقتراح ممتاز و لكن على أرض الواقع هناك مئات الإنجازات التي يجب أن تسبقه حتى يتسنى لنا العمل به، و لمزيد من الإيضاح، إن تركيب جهاز مماثل على جدار في مبنى يتساقط طلاء جدرانه بسبب الرطوبة سيؤدي إلى تلف الجهاز خلال مدة قصيرة. المشفى بحاجة إلى استبدال بالكامل و ليس المدير. مثلاً إن الرطوبة المؤدية إلى تساقط الطلاء نتجت عن عدم إستخدام الأطلية العازلة للرطوبة، و عن استخدام مبدأ "ما بيأثر" كبديل للطلاء العازل فهو أرخص ثمناً و أدعى إلى إنجاز العمل بسرعة! كما و أن المجلى الرخامي لا يجب أن يكون رخامياً بل من مادة سيراميكية لأن سطح الرخام تزداد خشونته مع الزمن و بحاجة لإستخدام منظفات ممنوعة في المشافي و مخرشة كالكلور (هيبوكلوريد الصوديوم) و إلا تغير لونه مع الأيام. و على فكرة، الشباب عنا بيحطوا فلاش عالرخام يعني بيحفروه و بيزيدوا من قابليته لتجميع الجراثيم أضعافاً مضاعفة. الخزائن المعدنية الصدئة لا تليق إلا بسجن مثلاً. و الجدير بالذكر، أن هناك ظاهرة عجيبة منتشرة في كافة أنواع أبنيتنا. موقع المنتفعات في المبنى يجب أن يخضع أولاً إلى تيار الهواء الطبيعي بحيث تخرج الروائح من النوافذ. عندنا تكون الأمور معكوسة. تأتي المنتفعات موجهة بحيث يدخل الهواء من نوافذها و يسري في أرجاء المبنى و يخرج من النوافذ الموجودة في الجهة المقابلة. و لذلك فإنك عندما تدخل إلى كثير من المباني التي تمت "هندستها" بنفس هذه الطريقة ستفاجأ بالروائح الكريهة تعم المكان. ثم إننا إذا أردنا أن نركب ساحبات هواء، لاحظت أنه غالباً ما يتم فتح النوافذ بالقرب منها مما يؤدي إلى دوران الهواء في نفس المكان. و أخيراً، و كما رأينا، إن كادر النظافة غائب بسبب عدم السماح بميزانية ملائمة. و في نفس الوقت، أعتقد أن من يعمل في مستشفى مهما كان وضعه سيئاً و يرمي القمامة "بجانب"؟! سلة المهملات فمن المرجح أنه يتصرف بنفس الطريقة في بيته. مثل هذا الشخص لا ينفع لشيء، فهو إذا استلم "جبالة" للإسمنت سيهرس 6 سيارات، و إذا استلم حصادة سيحصد بضع أرواح. إذا عمل في مشفى فإنه سيقوم بإلقاء القمامة بجانب السلة و سيأكل بزر على أسرة المرضى و ربما "يتفل" القشور في أفواههم (بس بدون ما ينتبه) للأمانة يعني. إذا اشتغل بلاط سترى الأرض مائلة، و "طالعة نازلة". أما إذا كان عنده معمل بلاط فإن البلاط سوف (يتحفور) بعد تركيبه بسنة و ربما بعد جليه مباشرة، و ذلك نتيجة لجشعه الشديد و/أو لإصراره على إتباع مبدأ "ما بيأثر".
هذا الشخص، إذا عمل سائقاً لميكرو باص فإنه سيقوم بأشد المناورات خطورةً من أجل أن يحظى براكب أو ليصل قبل غيره إلى آخر الخط. ناهيك عن إزعاج الناس بالصوت المرتفع للمسجلة، و التي غالباً ما يتجاوز حجم صوتها في حزم صوتية معينة (Treble) أضعاف أضعاف الحدود القصوى الآمنة بالنسبة للأذن البشرية بسبب تراكم التويترات "Tweeters" ذات الماركات المأساوية و الفريدة من نوعها في كافة أنحاء الميكروباص. إن امتلاء رأسه بكلمة "ما بيأثر" يدفعه للضوج و الموج و لكن بطريقة غبية و متفاعلة مع المقود و الدعسة و الزمور، و غالباً ما يستمع إلى حفلة مسجلة لأحد الأعراس ذات الطابع "الإطلاقناري" الأمر الذي لا يستهوي الكثيرين، و يجعل الكثيرين من العامة بالمقابل يتقبلون هذا و يحاولون أن يعلموا أنفسهم التعود عليه على أنه "فولكلور". إنه نفس الشخص الذي غالباً ما يقوم بإستبدال المصابيح الداخلية الموجودة في سقف الميكروسيرفيس بأخرى أكبر منها و ذات زوايا حادة، مما يؤدي إلى إرتطام رؤوس الركاب بها أثناء صعودهم أو نزولهم، و "يتضايق" و "ينزعج" عندما تتكسر الأغطية البلاستيكية لهذه المصابيح بعد اصطدامها بعدد من الرؤوس.
هذا الشخص، إذا تعلم الإنكليزية فإنه سيدعو الريموت كونترول "ريمونت كونترول"، و سيخلط بين الـ"B" و الـ"P" و بين الـ"C" و الـ"S" و يكتب الرقم صفر بشكل يشبه رقم "5"، و عندها، يزيد إحتمال أن يمتهن تدريس الإنكليزية، و سيدعو الأمبليفاير "صبـّوفر" مع التشديد على الباء، و عندها سيزيد إحتمال أن يصبح "ملك تجارة و تركيب الأنظمة الصوتية للسيارات"، و يسمي الـ"Bluetooth" بإسم "Blotos" و عندها يزيد إحتمال حيازته على لقب "ملك الموبايلات". إنه يعتقد أن مكيف الهواء يغير جو الغرفة و ينظفه، و أن الترموستات الحراري المزودة به سخانات المياه يسخن الماء بشكل أسرع إذا ضبطناه على درجة حرارة أعلى، و إذا عمل في مطعم فإنه سيدعوك إلى التمتع بطعم الثوم عندما يُفترض أن تحتوي الأكلة على مايونيز، و كثيراً ما يرتدي التيشيرت بدل القميص الداخلي، و يستعمل سلك الكهرباء لتوصيلات الهاتف و مكبرات الصوت و يدّعي أن الإشارتين السالبة و الموجبة الموضحتين على قطبي المكبر لا تعنيان شيئاً، و إذا عمل في قسم الصيانة في مؤسسة الهاتف فهو الذي سيترك العلبة مفتوحة للعوامل الجوية فتتأكسد الأسلاك و تهترىء مما يستدعي تغيير الكابل الرئيسي بعد فترة بسبب تلفه، و إذا امتلك معملاً للخزانات البلاستيكية فإنه سيلغي الطبقة السوداء التي تتوسط الطبقتين الداخلية و الخارجية في الخزان و تمنع نفوذ الضوء، ناسياً أو متناسياً أن هذا سيؤدي إلى إنبات الطحالب و الأشنيات داخل الخزانات بسبب توفر الضوء و الأوكسجين لها.
إنه الشخص نفسه الذي يعمل في دوزان السيارات فيقوم بتعبئة ممتصات الصدمات بالزيت مع أنها تستخدم مرة واحدة فقط، و لا تعبأ لأن الزيت سيتسرب من نفس المنطقة التي تسرب منها أول مرة (أي من الموانع المهترئة)، و هو نفسه الذي يركب لك أمورتيسورات GOLF على سيارة HONDA، مدعياً أن أداءها سيصبح أفضل من الأصلية، و غالباً ما يقول "إي ما بيأثر!" إذا سألته عن ضغط الزيت أو الغاز المدروس بحسب وزن السيارة، فهو لم ينظر إلا إلى طول الأمورتيسور و لا يعرف أصلاً بوجود مواصفات و معايير أخرى. مع ذلك فهو الملقب بـ"ملك الدوزان"، و هو الشاطر و الفهمان.
أما إذا عمل في صيانة الكمبيوتر فإنه سينصحك بإبقاء الـ"Case" مفتوحاً مدعياً أنه بهذه الطريقة سيتم تبريده بشكل أفضل. مع العلم أن إبقاءه مفتوحاً لا يختلف كثيراً عن إبقاء النافذة مفتوحة تحت ساحبة الهواء في المطبخ.
إن مبدأ "ما بيأثر" ليس مقتصراً علينا نحن السوريين، هناك أيضاً شركات تقوم بتصنيع حاويات للكمبيوتر في الصين مثلاً و تتبع نفس الأسلوب! فهي مغلقة من جميع الجوانب و لا تحتوي إلا على فتحات للمراوح، بينما يجب أن تكون مزودة بفتحة أمامية في أسفل الواجهة، و بدوره غالباً ما يقوم عضو آخر من منظمة "ما بيأثر" بتركيب مروحة تهوية في أحدها و يترك الثانية فارغة بدلاً من إغلاقها، و النتيجة نفس المشكلة. و قد لاحظت إرتفاع حرارة بعض معالجات الـ"Celeron" إلى 73 درجة بالإضافة إلى زيادة كبيرة في سرعة دوران مراوحها و ما يرافقه من ضجيج هائل و أداء سيء للجهاز و إستهلاك "مبرح" لعمر المعالج. فمراوح المعالجات الحديثة تقوم برفع سرعة دورانها كلما زادت الحرارة، و بما أن التهوية معدومة داخل هذا الـ"Case"... فإنها تصل إلى سرعة دورانها القصوى دون فائدة. أذكر أن هذه المشكلة صادفت أحد أصدقائي عندما إشترى جهاز كمبيوتر جديد و لم يستطع النوم بسبب صوته، فاضطررت إلى أن أعمل نجاراً و حداداً لمدة 4 ساعات حتى أحدثت فتحة تشبه تلك الموجودة في الـ"Case" ذات الماركات المحترمة و قمت بسد الفتحات المخصصة للمراوح الإضافية في الخلف فانخفضت حرارة المعالج من 73 إلى 43 مئوية، و اختفى الصوت المزعج لمروحة المعالج و استطاع صديقنا أن ينام على أنغام موسيقاه المفضلة.
لذا، أرجوكم، فلنحاول أن ننهي التعامل مع "ما بيأثر"، و مع مشجعيها الكثر، لأن الأعطال الناجمة عنها تتمثل في إستهلاك ما يجب أن يخدم 50 عاماً مثلاً خلال سنة واحدة أو أقل، و قد يتداعى بشكل مفاجئ و بدون سابق إنذار. و أنا أتحدث عن كل شيء. كل صغيرة و كبيرة في هذه الحياة. من المبنى بمواده المختلفة (طلاء، غطاء، خزان ماء... إلخ) إلى السيارة... و حتى الإنسان نفسه!
Reviewer
بعد إطـّلاعي على خبر منشور بسيريانيوز بعنوان "محافظ حمص يستجيب لشكوى احد قراء سيريانيوز ويقيل مدير مشفى حكومي"، و إلى جانب فرحتي بأن السلطة الرابعة بدأت تؤدي دوراً فعالاً من خلالكم، قفزت إلى ذهني أفكار تفرض نفسها على عقلي دائماً بسبب كثرتها و تراكمها، و اشتراكها بنفس الصفة.
و بما أن المشكلة متشعبة جداً، و المسؤولية ليست على فرد بعينه، و إنما تتجاوزه لتطال مجتمعاً بأسره، جاء الموضوع متشعباً أيضاً و بطريقة قد تجعل البعض يتهمني باللاموضوعية.
من المشفى نبدأ. بإلقاء نظرة على الصور المنشورة يتبين لنا بوضوح إن إكساء المبنى أصلاً لا يمت إلى المواصفات الإكسائية الواجب إتباعها في المشافي بصلة. إن إتباع مبدأ "ما بيأثر" مثلاً أدى إلى إنجازه بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي نقوم بها بإكساء مدرسة حكومية في بلدنا.
إن أغطية مصارف المياه مفقودة و بلا مصافي لأنها أساساً ذات نوعيات رديئة و الصناعة السيئة التي غمرت السوق جعلت الناس الدراويش و المتعهدين الأكابر يعتقدون أن لا فرق بين غطاء بـ 300 ل.س و آخر بـ 35 ل.س مثلاً مع العلم أن المعادن و القياسات و طبقة النيكل "إن وجدت" تختلف جذرياً. إضافةً إلى إهمال العاملين بالمشفى و اتباعهم لمبدأ "ما بيأثر" في كل حركاتهم و سكناتهم. و الجهل حتى بالأمكنة المناسبة لإستخدام المنظفات المناسبة يطال كل المسؤولين عن النظافة تماماً كما يطال معظم الصبايا من الجيل الصاعد اللواتي ينشأن ضمن أسر تعودت ألا تقرأ إلا المناهج الدراسية، و التي بدورها تخلف معلومات جاهزة للتبخر من الأذهان بمجرد إنتهاء الإمتحان. مادة الفلاش مثلاً، و هي حمض كلور الماء الممدد، كل الشركات المصنعة لها على اختلاف درجات فشلها أو نجاحها توضح على عبوات الفلاش أنها مخصصة للإستخدام على المراحيض و الأسطح السيراميكية و ليس على البلاط! و لكنني خلال حياتي الطويلة في هذا المجتمع لم أصادف أحداً قرأ هذه التعليمات! بل على العكس، لاحظت أنهم لا يستخدمونه إلا في الأماكن الغير مخصصة له. و باءت محاولاتي لدعوة بعضهم لقراءة التعليمات بالفشل إذ أنهم كانوا يتابعون "فيديو كليب" جديد و فريد. إن الغازات المخرشة المضرة لا تنتج إلا عن تفاعل الحمض إما مع كمية خارقة للعادة من الأوساخ (ذات الطابع القلوي، كالتكلسات الناتجة عن مرور مياهنا الغير معالجة على المناطق المعرضة لها باستمرار) أو مع البلاط نفسه لأنه قلوي و لا يقاوم الحموض القوية. ثم كيف سنتوقع من ممرض أو غيره التقيد باليونيفورم الخاص بالمشفى إذا كان المكان لا يوحي بأنه مشفى؟ و أحب أن أشير إلى إقتراح أحد السادة المعلقين بوجوب وجود آلة لمسح البصمة يجب على الموظف استخدامها لإثبات وجوده، الإقتراح ممتاز و لكن على أرض الواقع هناك مئات الإنجازات التي يجب أن تسبقه حتى يتسنى لنا العمل به، و لمزيد من الإيضاح، إن تركيب جهاز مماثل على جدار في مبنى يتساقط طلاء جدرانه بسبب الرطوبة سيؤدي إلى تلف الجهاز خلال مدة قصيرة. المشفى بحاجة إلى استبدال بالكامل و ليس المدير. مثلاً إن الرطوبة المؤدية إلى تساقط الطلاء نتجت عن عدم إستخدام الأطلية العازلة للرطوبة، و عن استخدام مبدأ "ما بيأثر" كبديل للطلاء العازل فهو أرخص ثمناً و أدعى إلى إنجاز العمل بسرعة! كما و أن المجلى الرخامي لا يجب أن يكون رخامياً بل من مادة سيراميكية لأن سطح الرخام تزداد خشونته مع الزمن و بحاجة لإستخدام منظفات ممنوعة في المشافي و مخرشة كالكلور (هيبوكلوريد الصوديوم) و إلا تغير لونه مع الأيام. و على فكرة، الشباب عنا بيحطوا فلاش عالرخام يعني بيحفروه و بيزيدوا من قابليته لتجميع الجراثيم أضعافاً مضاعفة. الخزائن المعدنية الصدئة لا تليق إلا بسجن مثلاً. و الجدير بالذكر، أن هناك ظاهرة عجيبة منتشرة في كافة أنواع أبنيتنا. موقع المنتفعات في المبنى يجب أن يخضع أولاً إلى تيار الهواء الطبيعي بحيث تخرج الروائح من النوافذ. عندنا تكون الأمور معكوسة. تأتي المنتفعات موجهة بحيث يدخل الهواء من نوافذها و يسري في أرجاء المبنى و يخرج من النوافذ الموجودة في الجهة المقابلة. و لذلك فإنك عندما تدخل إلى كثير من المباني التي تمت "هندستها" بنفس هذه الطريقة ستفاجأ بالروائح الكريهة تعم المكان. ثم إننا إذا أردنا أن نركب ساحبات هواء، لاحظت أنه غالباً ما يتم فتح النوافذ بالقرب منها مما يؤدي إلى دوران الهواء في نفس المكان. و أخيراً، و كما رأينا، إن كادر النظافة غائب بسبب عدم السماح بميزانية ملائمة. و في نفس الوقت، أعتقد أن من يعمل في مستشفى مهما كان وضعه سيئاً و يرمي القمامة "بجانب"؟! سلة المهملات فمن المرجح أنه يتصرف بنفس الطريقة في بيته. مثل هذا الشخص لا ينفع لشيء، فهو إذا استلم "جبالة" للإسمنت سيهرس 6 سيارات، و إذا استلم حصادة سيحصد بضع أرواح. إذا عمل في مشفى فإنه سيقوم بإلقاء القمامة بجانب السلة و سيأكل بزر على أسرة المرضى و ربما "يتفل" القشور في أفواههم (بس بدون ما ينتبه) للأمانة يعني. إذا اشتغل بلاط سترى الأرض مائلة، و "طالعة نازلة". أما إذا كان عنده معمل بلاط فإن البلاط سوف (يتحفور) بعد تركيبه بسنة و ربما بعد جليه مباشرة، و ذلك نتيجة لجشعه الشديد و/أو لإصراره على إتباع مبدأ "ما بيأثر".
هذا الشخص، إذا عمل سائقاً لميكرو باص فإنه سيقوم بأشد المناورات خطورةً من أجل أن يحظى براكب أو ليصل قبل غيره إلى آخر الخط. ناهيك عن إزعاج الناس بالصوت المرتفع للمسجلة، و التي غالباً ما يتجاوز حجم صوتها في حزم صوتية معينة (Treble) أضعاف أضعاف الحدود القصوى الآمنة بالنسبة للأذن البشرية بسبب تراكم التويترات "Tweeters" ذات الماركات المأساوية و الفريدة من نوعها في كافة أنحاء الميكروباص. إن امتلاء رأسه بكلمة "ما بيأثر" يدفعه للضوج و الموج و لكن بطريقة غبية و متفاعلة مع المقود و الدعسة و الزمور، و غالباً ما يستمع إلى حفلة مسجلة لأحد الأعراس ذات الطابع "الإطلاقناري" الأمر الذي لا يستهوي الكثيرين، و يجعل الكثيرين من العامة بالمقابل يتقبلون هذا و يحاولون أن يعلموا أنفسهم التعود عليه على أنه "فولكلور". إنه نفس الشخص الذي غالباً ما يقوم بإستبدال المصابيح الداخلية الموجودة في سقف الميكروسيرفيس بأخرى أكبر منها و ذات زوايا حادة، مما يؤدي إلى إرتطام رؤوس الركاب بها أثناء صعودهم أو نزولهم، و "يتضايق" و "ينزعج" عندما تتكسر الأغطية البلاستيكية لهذه المصابيح بعد اصطدامها بعدد من الرؤوس.
هذا الشخص، إذا تعلم الإنكليزية فإنه سيدعو الريموت كونترول "ريمونت كونترول"، و سيخلط بين الـ"B" و الـ"P" و بين الـ"C" و الـ"S" و يكتب الرقم صفر بشكل يشبه رقم "5"، و عندها، يزيد إحتمال أن يمتهن تدريس الإنكليزية، و سيدعو الأمبليفاير "صبـّوفر" مع التشديد على الباء، و عندها سيزيد إحتمال أن يصبح "ملك تجارة و تركيب الأنظمة الصوتية للسيارات"، و يسمي الـ"Bluetooth" بإسم "Blotos" و عندها يزيد إحتمال حيازته على لقب "ملك الموبايلات". إنه يعتقد أن مكيف الهواء يغير جو الغرفة و ينظفه، و أن الترموستات الحراري المزودة به سخانات المياه يسخن الماء بشكل أسرع إذا ضبطناه على درجة حرارة أعلى، و إذا عمل في مطعم فإنه سيدعوك إلى التمتع بطعم الثوم عندما يُفترض أن تحتوي الأكلة على مايونيز، و كثيراً ما يرتدي التيشيرت بدل القميص الداخلي، و يستعمل سلك الكهرباء لتوصيلات الهاتف و مكبرات الصوت و يدّعي أن الإشارتين السالبة و الموجبة الموضحتين على قطبي المكبر لا تعنيان شيئاً، و إذا عمل في قسم الصيانة في مؤسسة الهاتف فهو الذي سيترك العلبة مفتوحة للعوامل الجوية فتتأكسد الأسلاك و تهترىء مما يستدعي تغيير الكابل الرئيسي بعد فترة بسبب تلفه، و إذا امتلك معملاً للخزانات البلاستيكية فإنه سيلغي الطبقة السوداء التي تتوسط الطبقتين الداخلية و الخارجية في الخزان و تمنع نفوذ الضوء، ناسياً أو متناسياً أن هذا سيؤدي إلى إنبات الطحالب و الأشنيات داخل الخزانات بسبب توفر الضوء و الأوكسجين لها.
إنه الشخص نفسه الذي يعمل في دوزان السيارات فيقوم بتعبئة ممتصات الصدمات بالزيت مع أنها تستخدم مرة واحدة فقط، و لا تعبأ لأن الزيت سيتسرب من نفس المنطقة التي تسرب منها أول مرة (أي من الموانع المهترئة)، و هو نفسه الذي يركب لك أمورتيسورات GOLF على سيارة HONDA، مدعياً أن أداءها سيصبح أفضل من الأصلية، و غالباً ما يقول "إي ما بيأثر!" إذا سألته عن ضغط الزيت أو الغاز المدروس بحسب وزن السيارة، فهو لم ينظر إلا إلى طول الأمورتيسور و لا يعرف أصلاً بوجود مواصفات و معايير أخرى. مع ذلك فهو الملقب بـ"ملك الدوزان"، و هو الشاطر و الفهمان.
أما إذا عمل في صيانة الكمبيوتر فإنه سينصحك بإبقاء الـ"Case" مفتوحاً مدعياً أنه بهذه الطريقة سيتم تبريده بشكل أفضل. مع العلم أن إبقاءه مفتوحاً لا يختلف كثيراً عن إبقاء النافذة مفتوحة تحت ساحبة الهواء في المطبخ.
إن مبدأ "ما بيأثر" ليس مقتصراً علينا نحن السوريين، هناك أيضاً شركات تقوم بتصنيع حاويات للكمبيوتر في الصين مثلاً و تتبع نفس الأسلوب! فهي مغلقة من جميع الجوانب و لا تحتوي إلا على فتحات للمراوح، بينما يجب أن تكون مزودة بفتحة أمامية في أسفل الواجهة، و بدوره غالباً ما يقوم عضو آخر من منظمة "ما بيأثر" بتركيب مروحة تهوية في أحدها و يترك الثانية فارغة بدلاً من إغلاقها، و النتيجة نفس المشكلة. و قد لاحظت إرتفاع حرارة بعض معالجات الـ"Celeron" إلى 73 درجة بالإضافة إلى زيادة كبيرة في سرعة دوران مراوحها و ما يرافقه من ضجيج هائل و أداء سيء للجهاز و إستهلاك "مبرح" لعمر المعالج. فمراوح المعالجات الحديثة تقوم برفع سرعة دورانها كلما زادت الحرارة، و بما أن التهوية معدومة داخل هذا الـ"Case"... فإنها تصل إلى سرعة دورانها القصوى دون فائدة. أذكر أن هذه المشكلة صادفت أحد أصدقائي عندما إشترى جهاز كمبيوتر جديد و لم يستطع النوم بسبب صوته، فاضطررت إلى أن أعمل نجاراً و حداداً لمدة 4 ساعات حتى أحدثت فتحة تشبه تلك الموجودة في الـ"Case" ذات الماركات المحترمة و قمت بسد الفتحات المخصصة للمراوح الإضافية في الخلف فانخفضت حرارة المعالج من 73 إلى 43 مئوية، و اختفى الصوت المزعج لمروحة المعالج و استطاع صديقنا أن ينام على أنغام موسيقاه المفضلة.
لذا، أرجوكم، فلنحاول أن ننهي التعامل مع "ما بيأثر"، و مع مشجعيها الكثر، لأن الأعطال الناجمة عنها تتمثل في إستهلاك ما يجب أن يخدم 50 عاماً مثلاً خلال سنة واحدة أو أقل، و قد يتداعى بشكل مفاجئ و بدون سابق إنذار. و أنا أتحدث عن كل شيء. كل صغيرة و كبيرة في هذه الحياة. من المبنى بمواده المختلفة (طلاء، غطاء، خزان ماء... إلخ) إلى السيارة... و حتى الإنسان نفسه!
Reviewer