التعليم المعماري بين الحفاظ علي الهوية والبعد السياسي
دراسة لمساق تاريخ ونظريات العمارة منذ بدأ الحضارات الإنسانية وحتى عصر العولمة
الباحث
د. أحمد يحيى جمال الدين راشد
رئيس قسم العمارة ، كلية الهندسة ، جامعة المنصورة
دراسة لمساق تاريخ ونظريات العمارة منذ بدأ الحضارات الإنسانية وحتى عصر العولمة
الباحث
د. أحمد يحيى جمال الدين راشد
رئيس قسم العمارة ، كلية الهندسة ، جامعة المنصورة
مقدمة:
في الوقت الحالي نجد أن منافذ المعلوماتية قد تنوعت وتعددت وأختلف انتماؤها وفقا للهوية و العقيدة أو البعد السياسي وبالتالي نشأت صراعات بين الرأي والرأي الآخر ...
كلا يسعى لتأكيد أصولية المصدر والحقوق التاريخية بكل الوسائل والمصادر والأدلة. ويقينا أننا نعيش مخاض مرحلة تتحول فيها العلاقات والحقائق بين أطراف المعادلة، وتتغير معها العلاقات المكونة للواقع، وربما تتغير معها هويات بعض الأطراف وتظهر كلمة صراع الحضارات وكأنها الوصف البليغ لمرحلة ما من التخبط ومن ثم الاستسلام لكل معطيات العولمة وما تقتضيه من تقديم التنازلات في ظل ثورة عالمية في كافة المجالات:
· ثورة معلومات من حيث كم وسرعة المعلومات المتحصلة والمستثمرة.
· ثورة فكر عالمية من حيث المناهج وأسلوب التناول ومراجعة بديهيات ومقولات سادت قرونا، ثورة تعيد قراءة الحاضر والماضي في ضوء إنجازات علمية ومنهجية جديدة وإنسان جديد.
· ثورة اجتماعية اقتصادية من حيث طاقات الإنتاج وأدواته وعلاقات القوي داخل المجتمع وبين المجتمعات.
وعلي وجه العموم نجد البعد السياسي المنعكس سيعطي القوة والسلطة لصاحب المعلومات ومن هو الأقدر والأسرع في إبداع المعلومات ومعالجتها واستثمارها ومن ثم اعتباره المرجع والمصدر. وعليه يكون من السهل التحكم في الزيف والتزييف لتغيير كثيرا من المفاهيم الثابتة وغرس المغلوط منها وبالتالي تثبيت هذا الأمر الواقع.
ومن المؤكد أن "العمارة" هي من أهم الأدلة الواقعية والموروثة للبشرية، حيث اعتبرت السجل الذي يستقي منه تاريخ الأقدمين بما فيه من تقدم وازدهار، أو تدهور وتخلف، ومن المفترض إنها قد سجلت لنا تاريخ الدول المتعاقبة وأعطتنا صورة صادقة عن منشئها. ولذلك في دراسات التعليم المعماري يعتبر مساق "تاريخ ونظريات العمارة" من الأساسيات والبديهيات لفهم التسلسل والتطور المتنامي لعمليات العمارة والعمران عبر العصور. ورغم كونها مساق أساسي إلا انه يعتبر مختصرا جداً في أغلب أقسام وكليات الهندسة المعمارية لضخامة تاريخ العمارة المرتبطة بالمنطقة والعمارة العالمية.
تتأتى الإشكالية في ضعف المكتبة العربية وافتقارها لكتب تاريخ العمران والعمارة في مختلف المراحل الحضارية التي مرت بها المنطقة بما فيها الإسلامية، والاعتماد كل الاعتماد علي المراجع والمصادر الغربية أو الأجنبية بما تحتويه من مغالطات وافتراضات تتبع أهواء مؤلفيها وبما يخدم أهدافهم ومصالحهم وسياساتهم. وكمثال للصراع المعماري التاريخي وأبعاده السياسية قيام المستشرقون اليهود بجهود حثيثة ومكثفة ضمن مخطط مرسوم هدفه التهوين من قدسية القدس ومكانتها في الإسلام من جهة وتوكيد أهميتها ومركزية النظرة إليها من التصورات اليهودية من جهة أخري، والعمل علي الخلط بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، والعمل علي تأصيل الحق التاريخي في هيكل سليمان وتأكيد وجوده وبالتالي العمل علي إزالة المسجد الأقصى بحثا عن الحق التاريخي، مما يختصر الصراع في المنطقة إلي صراع وجودي لمبني معماري.
هدف البحث:
يستهدف هذا البحث دراسة التفاعل التبادلي لتأثير السياسة علي العمارة وتأثر السياسة بالعمارة والموروث العمراني من بدأ عصر الحضارات الإنسانية وحتى عصر العولمة. والدراسة في هذا البحث تنقسم إلي شقين رئيسيين: الأول عن العمارة والعمران بوجه عام وما نعنيه بالبعد السياسي للعمارة والحفاظ علي الهوية من خلال استعراض لأمثلة مختلفة من مباني معمارية وارتباطها بمدلولات سياسية. والشق الثاني يختص بدراسة التعليم المعماري ممثلا في مساق "تاريخ ونظريات العمارة" والمغالطات في الكتب المرجعية لتفسير نِشأت العمران وكثيرا من المباني المعمارية (بناء الأهرام ومحاولة سرقة اليهود لبناءه) وما يترتب عن ذلك من إعطاء حقوقا لمن لا يستحق وخلط بعض الحقائق بكثير من التزييف واعتبار الأمر واقعا سواء بالسلب والإيجاب.
الكلمات الدالة:
التعليم المعماري ، الهوية، البعد السياسي، تاريخ ونظريات العمارة ،الحضارات الإنسانية، العولمة.
الفرضيات الرئيسية للبحث:
· يتوقف مستقبل "التعليم الهندسي المعماري" في عالمنا العربي علي تكامل وإعادة تنظيم المساقات المختلفة ليرتبط المنهج النظري مع الواقع التطبيقي المحلي الغير مستورد ويكون مفهوم العمارة الإسلامية الشامل (بين الوارث والتقنية الحديثة) المدخل العملي والعلمي لأيقاظ الوعي والهوية الذاتية وترتيب المنظومة.
· البعد السياسي والسلطوي للعمارة والعمران يظهر في مختلف الحضارات الإنسانية منذ الفراعنة، الإغريق، الرومان، البيزنطية، الإسلامية، القوطية، عصر النهضة، الثورة الصناعية، العصر الحديث، عصر ما بعد الحداثة، وحتى عصر العولمة.
· الصراعات المعمارية والعمرانية والمغالطات الموثقة بها لا تقل في عنفها عن الحروب والمعارك السياسية والحربية لأن فيها تثبيت للمفاهيم والقيم والحقوق التاريخية والمستقبلية لمختلف الشعوب.
· الأماكن التراثية بالمنطقة نتاج مجتمعات تفاعلت وتعايشت من مئات السنين، وأمام العولمة والتغريب الذي نعيشه سيحدث ضرر كبير للمجتمع وفقد كثير من المعاني والقيم الفنية التي بمجرد اندثارها لن يمكن استعادتها مرة أخري.
· لابد أن تتعمق دراسات تاريخ ونظريات العمارة لتكون من مصادرها الأصلية المحلية ولا يكون الاعتماد علي دراسات ومراجع المستشرقين أو المكتبة الغربية فقط في تفسير وتحليل مكونات العمارة والعمران والتراث الخاص بنا.
· القيم الأخلاقية والعقائدية والفنية والمعمارية وما تحتويه من أفكار وحلول وأساليب معيشية متوافقة مع البيئة وليست الرغبة للعودة للماضي فقط هي المبرر للحفاظ علي التراث الحضاري، وليكون التاريخ هو منهج رؤية المستقبل.
· المعماري له مسئوليات نابعة من رسالته في أعمار الأرض، وفى ظل تيارات العولمة والصراعات السياسية الدولية عليه محاولة إبراز التراث المعماري والعمراني وعمل الدراسات التوثيقية وإبقاء وإحياء البيئة التراثية بوجدان الأجيال المستقبلية.