إن الفاجعة التي تشملك بعد لحظة السعادة تجعلك تقول : ليتني لم أمر بتلك اللحظة . لأن سعادة تلك اللحظة هي التي تجعل للفاجعة التالية تلك القسوة المحطمة ---------------------------------------------------------------------------------
لم نبقى أطفالا. و لم ننضج بشكل صحيح . إن تقدمنا مع الزمن يسرق ما تبقى من انسانيتنا . يحولنا إلى مخلوقات ممسوخة لا تعرف كيف تواجه الشمس , و لا كيف تستمتع بالعتمة . نحن لا نفعل أكثر من تمني ما لا يمكن حدوثه .لقد كان من الممكن أن نكبر في غفلة جميلة . أن نكبر بالحب . و أن نحس كبرنا مع الخفقات الجديدة في قلوبنا , و مع الدوار اللطيف في رؤوسنا , حين ينسانا الكبار و هم يعتقدون أننا صغار . نكتشف أنفسنا وحيدين مع الحب ؟ فتدور بنا الدار . و نكتشف أننا لسنا صغارا , كما توهموا------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نحن لم نتقدم في طريق الحضارة , بل فقدنا هويتنا و ملامحنا فقط . و لم نحسن شروط حياتنا , بل فقدنا بساطتنا فقط . و لم نصبح أبناء العصر بل فقدنا الزمن , و فقدنا أسبقيتنا فيه . و لذلك نحن لم نتقدم في العمر , بل فقدنا طفولتنا فقط.يا للطفولة الموءودة .كم كان فيها من جمال و عذوبة . كم كان الزمن يسيرا . و كم كانت القلوب كبيرة--------------------------------------------------------------------------------------------
و محل البهجة لا يبقى على الوجوه إلا الخوف و الحقد .لم يكن زماننا طويلا لكي يساعدنا على النسيان . بل كان سريعا قاصما قدم لنا العلقم , بينما طعم العسل لا يزال تحت أضراسنا-----------------------------------------------------------------.
. كيف نتعامل مع هذا الزمن الذي يشدنا بفظاظة لكي نكبر ؟ فتفقد الأشياء طعمها و لا يظل لدينا إلا هذا الحنين الغامض , و هذه الحرقة المفجوعة لوداع كل ما حولنا , و لخسارة كل ما نريد الاحتفاظ به .أهذه هي الحصيلة ؟ لهذا كان الرحابنة إذا يلحون على القرية و الطفولة و الجمال .قبل أن ننتبه إلى الفجيعة كنا نظن أنهم يبالغون . و لم نكن نرى مبررا لهذا الإلحاح على الطفولة , و الاستغراق في الجمال , و لهذا الوله بالطبيعة حتى صارت أغنياتنا تحتوي من الزهور أكثر مما تحتوي عليه الطبيعة .كل شيء عندهم جميل . حتى الخيانة ليست أكثر من ولدنة عاشق يرتدع حين يرى دمع حبيبته . و تصفو القلوب بعد العتاب. حتى الكذب أبيض و جميل. حتى فراق الأحبة جميل .حتى الموت , عندهم جميل .لم هذه المبالغة في تقديم الجمال ؟ و لم هذا لتشبث بالطفولة؟لم نكن قد انتبهنا إلى المسألة . هذه المبالغة من طبيعة الرثاء . و الرحابنة لم يكونوا يصفون الجمال , بل كانوا يودعونه . و في الوداع فقط , في لحظة الخسارة تكتشف روعة ما أنت مقبل على فقدانه , أو روعة ما كان معك قبل قليل . و ما تخسره .الآن لن تستطيع استعادته أبدا . كل شيء شبيه بالطفولة . و قدر الإنسان أن يكبر . و لكن مأساته أنه يكبر مبتعدا عن طفولته . لا يستطيع حملها معه -------------------------------------------------------------------------------------------------
الكاتب :ممدوح عدوان (جنون اخر)
لم نبقى أطفالا. و لم ننضج بشكل صحيح . إن تقدمنا مع الزمن يسرق ما تبقى من انسانيتنا . يحولنا إلى مخلوقات ممسوخة لا تعرف كيف تواجه الشمس , و لا كيف تستمتع بالعتمة . نحن لا نفعل أكثر من تمني ما لا يمكن حدوثه .لقد كان من الممكن أن نكبر في غفلة جميلة . أن نكبر بالحب . و أن نحس كبرنا مع الخفقات الجديدة في قلوبنا , و مع الدوار اللطيف في رؤوسنا , حين ينسانا الكبار و هم يعتقدون أننا صغار . نكتشف أنفسنا وحيدين مع الحب ؟ فتدور بنا الدار . و نكتشف أننا لسنا صغارا , كما توهموا------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
نحن لم نتقدم في طريق الحضارة , بل فقدنا هويتنا و ملامحنا فقط . و لم نحسن شروط حياتنا , بل فقدنا بساطتنا فقط . و لم نصبح أبناء العصر بل فقدنا الزمن , و فقدنا أسبقيتنا فيه . و لذلك نحن لم نتقدم في العمر , بل فقدنا طفولتنا فقط.يا للطفولة الموءودة .كم كان فيها من جمال و عذوبة . كم كان الزمن يسيرا . و كم كانت القلوب كبيرة--------------------------------------------------------------------------------------------
ان من الطبيعي أن نفتقد عاصي الرحباني . ليس لأنه إنسان معرض لذلك فقط . بل لأننا , نحن , لم نعد جديرين بتلك الأشياء القليلة الجميلة في حياتنا.و لأن في حياتنا من التلوث و القبح بما لا يتح لكناري غريد أن يعيش.في هذا النصف الثاني من الثمانينات سنكمل خسائرنا و فجائعنا . و سننهي وداعنا كل ما هو جميل و متألق ,. و قلة منا فقط هم الذين يحسون بهذه الخسارة , و الذين يتنهدون مخنوقين مفجوعين . و يقولون : ما الذي فعلناه بأنفسنا ؟كيف يمكن لنا أن نستعيد ذلك الألق ؟ أو كيف يمكن لنا أن ننساه ؟ بل كيف يمكن لنا أن نألف هذه الظلمة القاحلة التي تزداد حلكة من حولنا , بينما النور في ذاكرتنا . و لا تزال آثاره كالماء على وجوهنا ؟هل نحن الذين استوقدنا نارا , فلما أضاءت ما حولنا ذهب نورنا و بقينا في الظلمات؟يمر الزمن غاشما كجنزير البلدوزر . و فيما البلدوزر يوحي بأنه يغير حياتنا , فإن جنزيره يسحق الزهر و التربة الجميلة الخصبة و العشب الطري . و وراء الجنزير قدم المدحلة لتمزج الندى بالإسفلت.و في لمح البصر تنتهي الطفولة و الصمت و الأحلام , وتحل محلها الكآبة و الصرامة و صمت الفجيعة --------------------
و محل البهجة لا يبقى على الوجوه إلا الخوف و الحقد .لم يكن زماننا طويلا لكي يساعدنا على النسيان . بل كان سريعا قاصما قدم لنا العلقم , بينما طعم العسل لا يزال تحت أضراسنا-----------------------------------------------------------------.
. كيف نتعامل مع هذا الزمن الذي يشدنا بفظاظة لكي نكبر ؟ فتفقد الأشياء طعمها و لا يظل لدينا إلا هذا الحنين الغامض , و هذه الحرقة المفجوعة لوداع كل ما حولنا , و لخسارة كل ما نريد الاحتفاظ به .أهذه هي الحصيلة ؟ لهذا كان الرحابنة إذا يلحون على القرية و الطفولة و الجمال .قبل أن ننتبه إلى الفجيعة كنا نظن أنهم يبالغون . و لم نكن نرى مبررا لهذا الإلحاح على الطفولة , و الاستغراق في الجمال , و لهذا الوله بالطبيعة حتى صارت أغنياتنا تحتوي من الزهور أكثر مما تحتوي عليه الطبيعة .كل شيء عندهم جميل . حتى الخيانة ليست أكثر من ولدنة عاشق يرتدع حين يرى دمع حبيبته . و تصفو القلوب بعد العتاب. حتى الكذب أبيض و جميل. حتى فراق الأحبة جميل .حتى الموت , عندهم جميل .لم هذه المبالغة في تقديم الجمال ؟ و لم هذا لتشبث بالطفولة؟لم نكن قد انتبهنا إلى المسألة . هذه المبالغة من طبيعة الرثاء . و الرحابنة لم يكونوا يصفون الجمال , بل كانوا يودعونه . و في الوداع فقط , في لحظة الخسارة تكتشف روعة ما أنت مقبل على فقدانه , أو روعة ما كان معك قبل قليل . و ما تخسره .الآن لن تستطيع استعادته أبدا . كل شيء شبيه بالطفولة . و قدر الإنسان أن يكبر . و لكن مأساته أنه يكبر مبتعدا عن طفولته . لا يستطيع حملها معه -------------------------------------------------------------------------------------------------
الكاتب :ممدوح عدوان (جنون اخر)