1 )
أريد أن أكتبَ لكِ كلاماً
لا يشبهه الكلامْ
وأخترع لغةً لكِ وحدكِ
أفصلها على مقاييس جسدك
ومساحة حبي .
*
أريدُ أن أسافر من أوراق القاموس
وأطلبَ إجازة من فمي .
فلقد تعبتُ من استدارة فمي
أريد فماً آخر ..
يستطيع أن يتحول متى أرادْ
إلى شجرة كرز
أو علبة كبريت
أريد فماً جديداً
تخرج منه الكلماتْ
كما تخرج الحوريات من زبد البحر
وكما تخرج الصيصان البيضاء
من قبعة الساحر ..
*
خذوا جميعَ الكتب
التي قرأتها في طفولتي
خذوا جميع كراريسي المدرسية
خذوا الطباشيرَ ..
والأقلامَ ..
والألواح السوداءْ ..
وعلموني كلمة جديدة
أعلقها كالحلقْ
في أذن حبيبتي
*
أريدُ أصابعَ أخرى ..
لأكتب بطريقةٍ أخرى
فأنا أكرهُ الأصابع التي لا تطول .. ولا تقصر
كما أكرهُ الأشجار التي لا تموت .. ولا تكبر
أريد أصابعَ جديدة ..
عالية كصواري المراكبْ
وطويلة ، كأعناق الزرافاتْ
حتى أفصل لحبيبتي
قميصاً من الشِعرْ ..
لم تلبسه قبلي .
أريدُ أن أصنع لكِ أبجدية
غير كل الأبجدياتْ .
فيها شيء من إيقاع المطرْ
وشيء من غبار القمرْ
وشيء من حزن الغيوم الرمادية
وشيء من توجع أوراق الصفصاف
تحت عربات أيلول .
أريد أن اهديك كنوزاً من الكلمات
لم تُهْدَ لامرأة قبلك ..
ولن تهدى لامراة بعدك .
يا امرأةً ..
ليس قبلها قبلْ
وليس بعدها بعدْ
*
أريدُ أن أعلم نهديكِ الكسولينْ
كيف يهجيان اسمي ..
وكيف يقرءان مكاتيبي
أريد .. أن أجعلك اللغة ..
( 2 )
نهارَ دخلت عليَّ
في صبيحة يوم من أيام آذارَ
كقصيدة جميلة .. تمشي على قدميها
دخلت الشمس معكِ ..
ودخل الربيع معكِ ..
كان على مكتبي أوراقٌ .. فأورقتْ
وكان أمامي فنجانُ قهوة
فشربني قبل أن أشربه
وكان على جدراني لوحة زيتية
لخيول تركض ..
فتركتني الخيولُ حين راتكِ
وركضتْ نحوك ..
*
نهارَ زرتنيْ ..
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
وسقطَ في مكان ما .. من العالم
نيزكٌ مشتعلْ ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسل ..
وحسبته النساء ..
سواراً مرصعاً بالماس ..
وحسبه الرجال ..
من علامات ليلة القدرْ ..
*
وحين نزعت معطفك الربيعي
وجلست أمامي ..
فرائة تحمل في حقائبها ثياب الصيف ..
تأكدتُ أن الاطفال كانوا على حق ..
والنساء كن على حق ..
والرجال كانوا على حق ..
وأنك ..
شهية كالعسلْ ..
وصافية كالماسْ ..
ومذهلى كليلة القدرْ ...
( 3 )
عندما قلتُ لكِ :
" أحبكِ ".
كنت أعرفُ ..
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
وأقرع أجراس الفضيحة
كنتُ أريد أن أستلم السلطة
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقة واطفال عالم اكثرَ براءة
كنت أريد ..
أن أنهي عصر البربرية
وأقتل آخر الخلفاء
كان في نيتي – عندما أحببتكِ –
أن أكسر أبوابَ الحريم
وأنقذ أثداء النساء ..
من أسنان الرجال ..
وأجعل حلماتهنّ
ترقص في الهواء مبتهجة
كحبات الزعرور الأحمر ..
*
عندما قلت لكِ :
" أحبك " .
كنتُ أعرف ..
أنني أخترع أبجدية جديدة
لمدينة لا تقرأ ..
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأقدّم النبيذ
لمن لا يعرفون نعمة السُكْر .
*
عندما قلت لكِ :
" أحبكِ "
كنت أعرف .. أن المتوحشين سيتعقبونني
بالرماح المسمومة ، وأقواس النشاب
وأن صوري ..
ستلصق على كل الحيطان
وأن بصماتي ..
ستوزع على كل المخافر
وأن جائزةً كبرى ..
ستعطى لمن يحمل لهم رأسي
ليعلق على بوابة المدينة
كبرتقالة فلسطينية ..
عندما كتبت اسمك على دفاتر الورد
كنت أعرف ..
أن كل الأميين سيقفون ضدي
وكل كل عثمان .. ضدي
وكل الدراويش .. والطرابيش ضدي .
وكل العاطلين بالوراثة
عن ممارسة الحبّ .. ضدي
وكل المرضى بورم الجنس ..
ضدي ..
عندما قررتُ أن أقتل آخر الخلفاءْ
وأعلن قيامَ دولة الحبّ ..
تكونينَ أنت مليكتها ..
كنتُ أعرف ..
أن العصافير وحدها ..
ستعلن الثورة معي ..
( 4 )
حين وزع الله النساء على الرجالْ
وأعطاني إياكِ ..
شعرتُ ..
أنه انحاز بصورة مكشوفة إليّ
وخالف كل الكتب السماوية التي ألفها
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
ألبسني الحرير ، وألبسهم القطن
أهدى إلى الوردة
وأهداهم الغصن ..
حين عرفني الله عليكِ ..
وذهب إلى بيته
فكرتُ .. أن أكتب له رسالة
على ورق أزرقْ
وأضعها في مغلف أزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
أبدؤها بعبارة : يا صديقي
كنتُ أريد أن أشكرهُ
لأنه اختاركِ لي ..
فالله – كما قالوا لي –
لا يستلم إلا رسائلَ الحب
ولا يجاوب إلى عليها ..
حين استلمت مكافأتي
ورجعت أحملك على راحة يدي
كزهرة مانوليا
بستُ يد الله ..
وبستُ القمر والكواكب
واحداً .. واحداً
وبستُ الحبال .. والأودية
وأجنحة الطواحين
بستُ الغيومَ الكبيرة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
والجزر التي لا تزال بذاكرة الخرائط
بستُ الأمشاط التي ستتمشطينَ بها
والمرايا .. التي سترتسمين عليها ..
وكل الحمائم البيضاء ..
التي ستحميل على أجنحتها
جهازَ عرسك ..
( 5 )
لم أكن يوماً ملكاً
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
غير أن الإحساسَ بانكِ لي ..
يعطيني الشعورَ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمس
وأسيطر على نزوات المطر ، وعربات الريح
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس ..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي ..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية ..
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر ..
لك أكنْ يوماً ملكاً
ولا أريدُ أن أكونه
غيرَ أن مجردَ إحساسي
بأنكِ تنامين في جوف سدس ..
كلؤلؤة آبيرة ..
في جوف يدي ..
يجعلني أتوهم ..
بأنني قيصر من قياصرة روسيا
أو أنني ..
كسرى أنو شروانْ ..
( 6 )
لماذا أنتِ ؟
لماذا أنتِ وحدك ؟
من دون جميع النساء
تغيرين هندسة حياتي
وإيقاع أيامي
وتتسللسن حافية ..
إلى عالم شؤوني الصغيرة
وتقفلين وراءك الباب ..
ولا أعترض ..
*
لماذا ؟
أحبكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأشتهيكِ أنتِ بالذات
أسمح لكِ ..
بأن تجلسي فوق أهدابي
تُغنين ،
وتدخنين ،
وتلعبين الورق ..
ولا أعترض .
*
لماذا ؟
تشطبينَ كل الأزمنة
وتوقفين حركة العصور
وتغتالين في داخلي
جميعَ نساء العشيرة
واحدة .. واحدة ..ولا أعترض
لماذا ؟
أعطيك ، من دون جميع النساء
مفاتيح مُدُني
التي لم تفتح أبوابها ..
لأي طاغية
ولم ترفع راياتها البيضاء ..
لأية امرأة ..
واطلب من جنودي
أن يستقبلوك بالأناشيد
والمناديل ..
وأكاليل الغار ..
وأبايعُكِ ..
أمامَ جميع المواطنين
وعلى أنغام الموسيقى ، ورنين الأجراس
أميرةً مدى الحياة ..
( 7 )
علمتُ اطفالَ العالم
كيف يهجون اسمكِ ..
فتحولت شفاههم إلى أشجار توتْ .
أصبحت يا حبيبتي ..
في كتب القراءة ، وأكياس الحلوى .
خبأتك في كلمات الأنبياء
ونبيذ الرهبان .. ومناديل الوداع
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
ومرايا الحُلُم ..
وخشب المراكب المسافرة
أعطيتُ أسماك البحر ..
عنوانَ عينيكِ
فنسيتْ عناوينها القديمة
أخبرتُ تجار الشرق ..
عن كنوز جسدك ..
فصارت القوافل الذاهبة إلى الهند
لا تشتري العاج
إلا من أسواق نهديك ..
أوصيتُ الريحَ
أن تمشط خصلات شعرك الفاحم
فاعتذرت .. بأن وقتها قصيرْ ..
وشعركِ طويلْ ..
( 8 )
من أنت يا امرأة ؟
أيتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيتها الطيبة كعيون الأرانب
والناعمة كوبر الخوخة
أيتها النقية ، كأطواق الياسمين
والبريئة كمرايل الأطفال ..
أيتها المفترسة كالكلمة ..
أ خرجي من أوراق دفاتري
أخرجي من شراشف سريري ..
أخرجي من فناجين القهوة
وملاعق السكرْ ..
أخرجي من أزرار قمصاني
وخيوط مناديلي ..
وخيوط من فرشاة أسناني
ورغوة الصابون على وجهي
أخرجي من كل أشيائي الصغيرة
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل ...
( 9 )
إني أحبكِ ..
ولا ألعب معكِ لعبة الحبّ
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماك البحر
سمكة حمراء لكِ ..
وسمكة زرقاء لي ..
خذي كلّ السمك الأحمر والأزرقْ
وظلي حبيبتي ..
خذي البحرَ .. والمراكبَ ، والمسافرين .
وظلي حبيبتي ..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك ..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة ..
ربما ..
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
ولاآبار بترول أتغرغر بها ..
وتستحمّ فيها عشيقاتي ..
ربما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان ..
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيسر
فأنا لستُ سوى شاعر ..
كل ثروتي .. موجودةٌ في دفاتري
وفي عينيكِ الجميلتينْ ..
( 10 )
رماني حبكِ على أرض الدهشة
هاجمي ..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ ..
فاجأني ..
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة
نسيتُ القصيدة .
فاجأني ..
وأنا أقرأ خطوط يدي
نسيتُ يدي ..
داهمني كديكٍ متوحش
لا يرى .. ولا يسمع
إختلط ريشه بريشي
إختلطت صيحاته بصيحاتي
فاجاني ..
وأنا قاعدٌ على حقائبي
أنتظر قطارَ الأيام ..
نسيتُ القطارْ ..
ونسيت الأيامْ ..
وسافرت معكِ ..
إلى أرض الدهشة ..
( 11 )
أحملك كالوشم على ذراع بدويّ .
احملكِ .. كطعم الجُدّريّ
وأتسكع معك ..
على كل أرصفة العالم .
ليس عندي جواز سفر
وليس عندي صورةٌ فوتوغرافية
منذ كنت في الثالة من عمري
إنني لا أحب التصاوير ..
كل يوم يتغير لون عيوني
كل يوم يتغير مكان فمي
كل يوم يتغير عددُ أسناني
إنني لا أحب الجلوس
على كراسي المصورين ..
ولا أحبّ الصورَ التذكارية
كلّ أطفال العالم يتشابهون ..
وكل المعذبين في الأرض يتشابهون
كأسنان المشط ..
لذلك ..
نقعتُ جوازَ سفري القديم ..
في ماء أحزاني .. وشربتهُ ..
وقررتُ ..
أن أطوف العالم على دراجة الحرية
وبنفس الطريقة غير الشرعية
التي تستعملها الريح عندما تسافر ..
وإذا سالوني عن عنواني
أعطيتهمْ عنوان كل الأرصفة
التي اخترتها مكاناً دائماً لاقامتي .
وإذا سألوني عن أوراقي
أريتهم عينيك يا حبيبتي ..
فتركوني أمرُّ
لأنهم يعرفون ..
أن السفر في مدائن عينيكِ ..
من حق جميع المواطنين في العالم
( 12 )
زجهك محفور على ميناء ساعتي
محفورٌ على عقرب الدقائق ..
وعقرب الثواني ..
محفورٌ على الأسابيع ..
والشهور .. والسنواتْ ..
لم يعد لي زمن خصوصيّ
أصبحت أنت الزمنْ
*
إنتهت معكِ ..
مملكة شؤوني الصغيرة .
لم يعد لدي أشياء أملكها وحدي .
لم يعد عندي زهورٌ أنسقها وحدي .
لم يعد عندي كتبٌ
أقرؤها وحدي ..
أنت تتدخلين بين عيني وبين ورقتي
بين فمي ، وبين صوتي .
بين رأسي ، وبين مخدتي .
بين أصابعي ، وبين لفافتي .
*
طبعاً ..
أنا لا اشكو من سكناك فيَّ ..
ومن تدخلك في حركة يدي ..
وحركة جفني .. وحركة أفكاري
فحقولُ القمح لا تشكو من وفرة سنابلها
وأشجارُ التين لا تضيق بعصافيرها
والكؤوس لا تضيق بسكنى النبيذ الأحمر فيها .
كل ما أطلبه منكِ يا سيدتي
أن لا تتحرآي في داخل قلبي آثيراً ..
حتى لا أتوجع ..
( 13 )
ليس لكِ زمانٌ حقيقي خارج لهفتي
أنا زمانكِ
ليس لكِ أبعادٌ واضحة
خارج امتداد ذراعيّ
أنا أبعادك كلها
زواياك ودوائرك ..
خطوطكِ المستقيمة .
يومَ دخلت إلى غابات صدري
دخلتِ إلى الحرية
يومَ خرجت منها
صرت جارية .
واشتراك شيخ القبيلة .
*
أنا علمتك أسماء الشجرْ
وحوارَ الصراصير الليلية
أعطيتك عناوينَ النجوم البعيدة
أنا أدخلتك مدرسة الربيع
وعلمتك لغة الطير
وأبجدية الينابيع .
أنا كتبتك على دفاتر المطرْ
وشراشف الثلج ، وأكواز الصنوبر
وعلمتكِ كيف تكلمين الأرانبَ والثعالب ..
وكيف تمشطين صُوفَ الخراف الربيعية .
أنا أطلعتكِ ..
على مكاتيب العصافير التي لم تنشرْ
وأعطيتكِ .. خرائطَ الصيف والشتاء ..
لتتعلمي .. كيف ترتفع السنابلْ
وتزقزقُ الصيصانُ البيضاءْ ..
وتتزوج الأسماكُ بعضها ..
ويتدفق الحليبُ من ثدي القمرْ ..
لكنكِ ..
تعبتِ من حصان الحرية
فرماك حصانُ الحرية
تعبت من غابات صدري
ومن سمفونية الصراصير الليلية
تعبت من النوم عارية ..
فوق شراشف القمر ..
فتركتِ الغابة ..
ليأكلك الذئب ..
ويفترسك – على سنة الله ورسوله –
شيخُ القبيلة ..
( 14 )
السنتان اللتان كنتِ فيهما حبيبتي
هما اهم صفحتين ..
في كتاب الحب المعاصرْ .
كلّ الصفحات ، قبلها ، بيضاء
وكلّ الصفحات ، بعدهما ، بيضاءْ
إنهما خطّ الاستواء
المارّ بين فمي وفمك
وهما المقياس المراصد
وتُضبط عليه كلّ ساعات العالم ..
( 15 )
كلما طالَ شعركِ
طالَ عُمُري ..
كلما رأيتهُ منثوراً على كتفيكِ
لوحة مرسومة بالفحم ،
والحبر الصيني ..
وأجنحة السنونو
حوّطتهُ بكل أسماء الله .
هل تعرفين ؟
لماذا أستميتُ في عبادة شَعْركِ ..
لأنّ تفاصيل قصتنا
من أول سطر إلى آخرسطر فيها
منقوشة عليه ..
شعرُكِ .. هودفترُ مذكراتنا
فلا تتركي أحداً ..
يسرقُ هذا الدفترْ ..
( 16 )
عندما تضعين رأسك على كتفي
وأنا أسوق سيارتي
تترك النجوم مداراتها
وتنزل بالألوف ..
لتتزحلق على النوافذ الزجاجية ..
وينزل القمر ..
ليستوطن على كتفي ..
عندئذ ..
يصبح التدخين معكِ متعة ..
والحوارُ متعة
والسكوتُ متعة .
والضياع في الطُرُقات الشتائيهْ
التي لا أسماء لها ..
متعة .
واتمنى .. لو نبقى هكذا إلى الأبد
المطر يغني ..
ومساحات المطر تغني
ورأسك الصغير ،
متكمشٌ بأعشاب صدري
كفراشة إفريقية ملونة
ترفض أن تطير ..
( 17 )
كلما رأيتكِ ..
أيأسُ من قصائدي .
إنني لا أيأس من قصائدي
إلا حين أكونُ معك ..
جميلة أنتِ .. إلى درجةِ أنني
حين أفكر بروعتك .. ألهث ..
تلهث لغتي ..
وتلهث مُفرداتي ..
خلصيني من هذا الإشكال ..
كوني أقل جمالاً ...
حتى أسترد شاعريتي
كوني امرأة عادية ..
تتكحل .. وتتعطر .. وتحمل .. وتلدْ
كوني امرأة مثل كلّ النساء ..
حتى أتصالح مع لغتي ..
( 18 )
لستُ معلماً ..
لأعلمك كيف تحبينْ .
فالأسماك ، لا تحتاج إلا معلمْ
لتتعلم كيف تسبحْ ..
والعصافير ، لا تحتاج إلى معلمْ
لتتعلم كيف تطير ..
إسبحي وحدكِ ..
وطيري وحدكِ ..
إن الحبّ ليس له دفاتر ..
وأعظمُ عشاق التاريخ ..
كانوا لا يعرفون القراءة ..
( 19 )
دعي برجوازيتك ، يا سيّدتي
وسرير لويس السادس عشر
الذي تنامين عليه ..
دعي عطورك الفرنسية
وحقائبك المصنوعة من جلد التمساح ..
واتبعيني ..
إلى جزر المطر ..
والأناناسْ ..
والتوابل الحارقة ..
حيث مياه السواحل ساخنة كجلدكِ ..
وثمار المانغو ..
مستديرة كنهديكِ ..
إرمي كل شيء وراءكِ ..
واقفزي على صدري ..
كسنجاب إفريقي ..
فأنا يعجبني ..
أن تتركي خدشاً واحداً على سطح جلدي .
أو جرحاً واحداً على زاوية فمي ..
أتباهى به ..
أما رجال العشيرة ..
آه .. يا امرأة التردد .. والبرودْ
يا امرأة ماآس فاآتور .. وإليزابيت آردنْ
متحضرة أنتِ إلى درجة لا تحتملْ ..
تجلسين على طاولة الحب ..
وتاكلين بالشوكة والسكينْ
أما أنا يا سيدتي ..
فبدويّ يختزن في شفتيه
عصوراً من العطش ..
ويخبئ تحت عباءته
ملايينَ الشموس ..
فلا تغضبي منّي ..
إذا خالفتُ آدابَ المائدة
ونزعتُ عن رقبتي الفوطة البيضاء
وعريتكِ من ملابسك التنكرية
وعلمتكِ ..
كيف تأكلين بكلتا يديكِ
وتعشقين بكلتا يديكِ
وتركضين على رمال صدري
كمهْرةٍ بيضاءْ
تصهل في البادية ..
أريد أن أكتبَ لكِ كلاماً
لا يشبهه الكلامْ
وأخترع لغةً لكِ وحدكِ
أفصلها على مقاييس جسدك
ومساحة حبي .
*
أريدُ أن أسافر من أوراق القاموس
وأطلبَ إجازة من فمي .
فلقد تعبتُ من استدارة فمي
أريد فماً آخر ..
يستطيع أن يتحول متى أرادْ
إلى شجرة كرز
أو علبة كبريت
أريد فماً جديداً
تخرج منه الكلماتْ
كما تخرج الحوريات من زبد البحر
وكما تخرج الصيصان البيضاء
من قبعة الساحر ..
*
خذوا جميعَ الكتب
التي قرأتها في طفولتي
خذوا جميع كراريسي المدرسية
خذوا الطباشيرَ ..
والأقلامَ ..
والألواح السوداءْ ..
وعلموني كلمة جديدة
أعلقها كالحلقْ
في أذن حبيبتي
*
أريدُ أصابعَ أخرى ..
لأكتب بطريقةٍ أخرى
فأنا أكرهُ الأصابع التي لا تطول .. ولا تقصر
كما أكرهُ الأشجار التي لا تموت .. ولا تكبر
أريد أصابعَ جديدة ..
عالية كصواري المراكبْ
وطويلة ، كأعناق الزرافاتْ
حتى أفصل لحبيبتي
قميصاً من الشِعرْ ..
لم تلبسه قبلي .
أريدُ أن أصنع لكِ أبجدية
غير كل الأبجدياتْ .
فيها شيء من إيقاع المطرْ
وشيء من غبار القمرْ
وشيء من حزن الغيوم الرمادية
وشيء من توجع أوراق الصفصاف
تحت عربات أيلول .
أريد أن اهديك كنوزاً من الكلمات
لم تُهْدَ لامرأة قبلك ..
ولن تهدى لامراة بعدك .
يا امرأةً ..
ليس قبلها قبلْ
وليس بعدها بعدْ
*
أريدُ أن أعلم نهديكِ الكسولينْ
كيف يهجيان اسمي ..
وكيف يقرءان مكاتيبي
أريد .. أن أجعلك اللغة ..
( 2 )
نهارَ دخلت عليَّ
في صبيحة يوم من أيام آذارَ
كقصيدة جميلة .. تمشي على قدميها
دخلت الشمس معكِ ..
ودخل الربيع معكِ ..
كان على مكتبي أوراقٌ .. فأورقتْ
وكان أمامي فنجانُ قهوة
فشربني قبل أن أشربه
وكان على جدراني لوحة زيتية
لخيول تركض ..
فتركتني الخيولُ حين راتكِ
وركضتْ نحوك ..
*
نهارَ زرتنيْ ..
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
وسقطَ في مكان ما .. من العالم
نيزكٌ مشتعلْ ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسل ..
وحسبته النساء ..
سواراً مرصعاً بالماس ..
وحسبه الرجال ..
من علامات ليلة القدرْ ..
*
وحين نزعت معطفك الربيعي
وجلست أمامي ..
فرائة تحمل في حقائبها ثياب الصيف ..
تأكدتُ أن الاطفال كانوا على حق ..
والنساء كن على حق ..
والرجال كانوا على حق ..
وأنك ..
شهية كالعسلْ ..
وصافية كالماسْ ..
ومذهلى كليلة القدرْ ...
( 3 )
عندما قلتُ لكِ :
" أحبكِ ".
كنت أعرفُ ..
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
وأقرع أجراس الفضيحة
كنتُ أريد أن أستلم السلطة
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقة واطفال عالم اكثرَ براءة
كنت أريد ..
أن أنهي عصر البربرية
وأقتل آخر الخلفاء
كان في نيتي – عندما أحببتكِ –
أن أكسر أبوابَ الحريم
وأنقذ أثداء النساء ..
من أسنان الرجال ..
وأجعل حلماتهنّ
ترقص في الهواء مبتهجة
كحبات الزعرور الأحمر ..
*
عندما قلت لكِ :
" أحبك " .
كنتُ أعرف ..
أنني أخترع أبجدية جديدة
لمدينة لا تقرأ ..
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأقدّم النبيذ
لمن لا يعرفون نعمة السُكْر .
*
عندما قلت لكِ :
" أحبكِ "
كنت أعرف .. أن المتوحشين سيتعقبونني
بالرماح المسمومة ، وأقواس النشاب
وأن صوري ..
ستلصق على كل الحيطان
وأن بصماتي ..
ستوزع على كل المخافر
وأن جائزةً كبرى ..
ستعطى لمن يحمل لهم رأسي
ليعلق على بوابة المدينة
كبرتقالة فلسطينية ..
عندما كتبت اسمك على دفاتر الورد
كنت أعرف ..
أن كل الأميين سيقفون ضدي
وكل كل عثمان .. ضدي
وكل الدراويش .. والطرابيش ضدي .
وكل العاطلين بالوراثة
عن ممارسة الحبّ .. ضدي
وكل المرضى بورم الجنس ..
ضدي ..
عندما قررتُ أن أقتل آخر الخلفاءْ
وأعلن قيامَ دولة الحبّ ..
تكونينَ أنت مليكتها ..
كنتُ أعرف ..
أن العصافير وحدها ..
ستعلن الثورة معي ..
( 4 )
حين وزع الله النساء على الرجالْ
وأعطاني إياكِ ..
شعرتُ ..
أنه انحاز بصورة مكشوفة إليّ
وخالف كل الكتب السماوية التي ألفها
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
ألبسني الحرير ، وألبسهم القطن
أهدى إلى الوردة
وأهداهم الغصن ..
حين عرفني الله عليكِ ..
وذهب إلى بيته
فكرتُ .. أن أكتب له رسالة
على ورق أزرقْ
وأضعها في مغلف أزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
أبدؤها بعبارة : يا صديقي
كنتُ أريد أن أشكرهُ
لأنه اختاركِ لي ..
فالله – كما قالوا لي –
لا يستلم إلا رسائلَ الحب
ولا يجاوب إلى عليها ..
حين استلمت مكافأتي
ورجعت أحملك على راحة يدي
كزهرة مانوليا
بستُ يد الله ..
وبستُ القمر والكواكب
واحداً .. واحداً
وبستُ الحبال .. والأودية
وأجنحة الطواحين
بستُ الغيومَ الكبيرة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
والجزر التي لا تزال بذاكرة الخرائط
بستُ الأمشاط التي ستتمشطينَ بها
والمرايا .. التي سترتسمين عليها ..
وكل الحمائم البيضاء ..
التي ستحميل على أجنحتها
جهازَ عرسك ..
( 5 )
لم أكن يوماً ملكاً
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
غير أن الإحساسَ بانكِ لي ..
يعطيني الشعورَ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمس
وأسيطر على نزوات المطر ، وعربات الريح
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس ..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي ..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية ..
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر ..
لك أكنْ يوماً ملكاً
ولا أريدُ أن أكونه
غيرَ أن مجردَ إحساسي
بأنكِ تنامين في جوف سدس ..
كلؤلؤة آبيرة ..
في جوف يدي ..
يجعلني أتوهم ..
بأنني قيصر من قياصرة روسيا
أو أنني ..
كسرى أنو شروانْ ..
( 6 )
لماذا أنتِ ؟
لماذا أنتِ وحدك ؟
من دون جميع النساء
تغيرين هندسة حياتي
وإيقاع أيامي
وتتسللسن حافية ..
إلى عالم شؤوني الصغيرة
وتقفلين وراءك الباب ..
ولا أعترض ..
*
لماذا ؟
أحبكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأشتهيكِ أنتِ بالذات
أسمح لكِ ..
بأن تجلسي فوق أهدابي
تُغنين ،
وتدخنين ،
وتلعبين الورق ..
ولا أعترض .
*
لماذا ؟
تشطبينَ كل الأزمنة
وتوقفين حركة العصور
وتغتالين في داخلي
جميعَ نساء العشيرة
واحدة .. واحدة ..ولا أعترض
لماذا ؟
أعطيك ، من دون جميع النساء
مفاتيح مُدُني
التي لم تفتح أبوابها ..
لأي طاغية
ولم ترفع راياتها البيضاء ..
لأية امرأة ..
واطلب من جنودي
أن يستقبلوك بالأناشيد
والمناديل ..
وأكاليل الغار ..
وأبايعُكِ ..
أمامَ جميع المواطنين
وعلى أنغام الموسيقى ، ورنين الأجراس
أميرةً مدى الحياة ..
( 7 )
علمتُ اطفالَ العالم
كيف يهجون اسمكِ ..
فتحولت شفاههم إلى أشجار توتْ .
أصبحت يا حبيبتي ..
في كتب القراءة ، وأكياس الحلوى .
خبأتك في كلمات الأنبياء
ونبيذ الرهبان .. ومناديل الوداع
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
ومرايا الحُلُم ..
وخشب المراكب المسافرة
أعطيتُ أسماك البحر ..
عنوانَ عينيكِ
فنسيتْ عناوينها القديمة
أخبرتُ تجار الشرق ..
عن كنوز جسدك ..
فصارت القوافل الذاهبة إلى الهند
لا تشتري العاج
إلا من أسواق نهديك ..
أوصيتُ الريحَ
أن تمشط خصلات شعرك الفاحم
فاعتذرت .. بأن وقتها قصيرْ ..
وشعركِ طويلْ ..
( 8 )
من أنت يا امرأة ؟
أيتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيتها الطيبة كعيون الأرانب
والناعمة كوبر الخوخة
أيتها النقية ، كأطواق الياسمين
والبريئة كمرايل الأطفال ..
أيتها المفترسة كالكلمة ..
أ خرجي من أوراق دفاتري
أخرجي من شراشف سريري ..
أخرجي من فناجين القهوة
وملاعق السكرْ ..
أخرجي من أزرار قمصاني
وخيوط مناديلي ..
وخيوط من فرشاة أسناني
ورغوة الصابون على وجهي
أخرجي من كل أشيائي الصغيرة
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل ...
( 9 )
إني أحبكِ ..
ولا ألعب معكِ لعبة الحبّ
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماك البحر
سمكة حمراء لكِ ..
وسمكة زرقاء لي ..
خذي كلّ السمك الأحمر والأزرقْ
وظلي حبيبتي ..
خذي البحرَ .. والمراكبَ ، والمسافرين .
وظلي حبيبتي ..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك ..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة ..
ربما ..
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
ولاآبار بترول أتغرغر بها ..
وتستحمّ فيها عشيقاتي ..
ربما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان ..
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيسر
فأنا لستُ سوى شاعر ..
كل ثروتي .. موجودةٌ في دفاتري
وفي عينيكِ الجميلتينْ ..
( 10 )
رماني حبكِ على أرض الدهشة
هاجمي ..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ ..
فاجأني ..
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة
نسيتُ القصيدة .
فاجأني ..
وأنا أقرأ خطوط يدي
نسيتُ يدي ..
داهمني كديكٍ متوحش
لا يرى .. ولا يسمع
إختلط ريشه بريشي
إختلطت صيحاته بصيحاتي
فاجاني ..
وأنا قاعدٌ على حقائبي
أنتظر قطارَ الأيام ..
نسيتُ القطارْ ..
ونسيت الأيامْ ..
وسافرت معكِ ..
إلى أرض الدهشة ..
( 11 )
أحملك كالوشم على ذراع بدويّ .
احملكِ .. كطعم الجُدّريّ
وأتسكع معك ..
على كل أرصفة العالم .
ليس عندي جواز سفر
وليس عندي صورةٌ فوتوغرافية
منذ كنت في الثالة من عمري
إنني لا أحب التصاوير ..
كل يوم يتغير لون عيوني
كل يوم يتغير مكان فمي
كل يوم يتغير عددُ أسناني
إنني لا أحب الجلوس
على كراسي المصورين ..
ولا أحبّ الصورَ التذكارية
كلّ أطفال العالم يتشابهون ..
وكل المعذبين في الأرض يتشابهون
كأسنان المشط ..
لذلك ..
نقعتُ جوازَ سفري القديم ..
في ماء أحزاني .. وشربتهُ ..
وقررتُ ..
أن أطوف العالم على دراجة الحرية
وبنفس الطريقة غير الشرعية
التي تستعملها الريح عندما تسافر ..
وإذا سالوني عن عنواني
أعطيتهمْ عنوان كل الأرصفة
التي اخترتها مكاناً دائماً لاقامتي .
وإذا سألوني عن أوراقي
أريتهم عينيك يا حبيبتي ..
فتركوني أمرُّ
لأنهم يعرفون ..
أن السفر في مدائن عينيكِ ..
من حق جميع المواطنين في العالم
( 12 )
زجهك محفور على ميناء ساعتي
محفورٌ على عقرب الدقائق ..
وعقرب الثواني ..
محفورٌ على الأسابيع ..
والشهور .. والسنواتْ ..
لم يعد لي زمن خصوصيّ
أصبحت أنت الزمنْ
*
إنتهت معكِ ..
مملكة شؤوني الصغيرة .
لم يعد لدي أشياء أملكها وحدي .
لم يعد عندي زهورٌ أنسقها وحدي .
لم يعد عندي كتبٌ
أقرؤها وحدي ..
أنت تتدخلين بين عيني وبين ورقتي
بين فمي ، وبين صوتي .
بين رأسي ، وبين مخدتي .
بين أصابعي ، وبين لفافتي .
*
طبعاً ..
أنا لا اشكو من سكناك فيَّ ..
ومن تدخلك في حركة يدي ..
وحركة جفني .. وحركة أفكاري
فحقولُ القمح لا تشكو من وفرة سنابلها
وأشجارُ التين لا تضيق بعصافيرها
والكؤوس لا تضيق بسكنى النبيذ الأحمر فيها .
كل ما أطلبه منكِ يا سيدتي
أن لا تتحرآي في داخل قلبي آثيراً ..
حتى لا أتوجع ..
( 13 )
ليس لكِ زمانٌ حقيقي خارج لهفتي
أنا زمانكِ
ليس لكِ أبعادٌ واضحة
خارج امتداد ذراعيّ
أنا أبعادك كلها
زواياك ودوائرك ..
خطوطكِ المستقيمة .
يومَ دخلت إلى غابات صدري
دخلتِ إلى الحرية
يومَ خرجت منها
صرت جارية .
واشتراك شيخ القبيلة .
*
أنا علمتك أسماء الشجرْ
وحوارَ الصراصير الليلية
أعطيتك عناوينَ النجوم البعيدة
أنا أدخلتك مدرسة الربيع
وعلمتك لغة الطير
وأبجدية الينابيع .
أنا كتبتك على دفاتر المطرْ
وشراشف الثلج ، وأكواز الصنوبر
وعلمتكِ كيف تكلمين الأرانبَ والثعالب ..
وكيف تمشطين صُوفَ الخراف الربيعية .
أنا أطلعتكِ ..
على مكاتيب العصافير التي لم تنشرْ
وأعطيتكِ .. خرائطَ الصيف والشتاء ..
لتتعلمي .. كيف ترتفع السنابلْ
وتزقزقُ الصيصانُ البيضاءْ ..
وتتزوج الأسماكُ بعضها ..
ويتدفق الحليبُ من ثدي القمرْ ..
لكنكِ ..
تعبتِ من حصان الحرية
فرماك حصانُ الحرية
تعبت من غابات صدري
ومن سمفونية الصراصير الليلية
تعبت من النوم عارية ..
فوق شراشف القمر ..
فتركتِ الغابة ..
ليأكلك الذئب ..
ويفترسك – على سنة الله ورسوله –
شيخُ القبيلة ..
( 14 )
السنتان اللتان كنتِ فيهما حبيبتي
هما اهم صفحتين ..
في كتاب الحب المعاصرْ .
كلّ الصفحات ، قبلها ، بيضاء
وكلّ الصفحات ، بعدهما ، بيضاءْ
إنهما خطّ الاستواء
المارّ بين فمي وفمك
وهما المقياس المراصد
وتُضبط عليه كلّ ساعات العالم ..
( 15 )
كلما طالَ شعركِ
طالَ عُمُري ..
كلما رأيتهُ منثوراً على كتفيكِ
لوحة مرسومة بالفحم ،
والحبر الصيني ..
وأجنحة السنونو
حوّطتهُ بكل أسماء الله .
هل تعرفين ؟
لماذا أستميتُ في عبادة شَعْركِ ..
لأنّ تفاصيل قصتنا
من أول سطر إلى آخرسطر فيها
منقوشة عليه ..
شعرُكِ .. هودفترُ مذكراتنا
فلا تتركي أحداً ..
يسرقُ هذا الدفترْ ..
( 16 )
عندما تضعين رأسك على كتفي
وأنا أسوق سيارتي
تترك النجوم مداراتها
وتنزل بالألوف ..
لتتزحلق على النوافذ الزجاجية ..
وينزل القمر ..
ليستوطن على كتفي ..
عندئذ ..
يصبح التدخين معكِ متعة ..
والحوارُ متعة
والسكوتُ متعة .
والضياع في الطُرُقات الشتائيهْ
التي لا أسماء لها ..
متعة .
واتمنى .. لو نبقى هكذا إلى الأبد
المطر يغني ..
ومساحات المطر تغني
ورأسك الصغير ،
متكمشٌ بأعشاب صدري
كفراشة إفريقية ملونة
ترفض أن تطير ..
( 17 )
كلما رأيتكِ ..
أيأسُ من قصائدي .
إنني لا أيأس من قصائدي
إلا حين أكونُ معك ..
جميلة أنتِ .. إلى درجةِ أنني
حين أفكر بروعتك .. ألهث ..
تلهث لغتي ..
وتلهث مُفرداتي ..
خلصيني من هذا الإشكال ..
كوني أقل جمالاً ...
حتى أسترد شاعريتي
كوني امرأة عادية ..
تتكحل .. وتتعطر .. وتحمل .. وتلدْ
كوني امرأة مثل كلّ النساء ..
حتى أتصالح مع لغتي ..
( 18 )
لستُ معلماً ..
لأعلمك كيف تحبينْ .
فالأسماك ، لا تحتاج إلا معلمْ
لتتعلم كيف تسبحْ ..
والعصافير ، لا تحتاج إلى معلمْ
لتتعلم كيف تطير ..
إسبحي وحدكِ ..
وطيري وحدكِ ..
إن الحبّ ليس له دفاتر ..
وأعظمُ عشاق التاريخ ..
كانوا لا يعرفون القراءة ..
( 19 )
دعي برجوازيتك ، يا سيّدتي
وسرير لويس السادس عشر
الذي تنامين عليه ..
دعي عطورك الفرنسية
وحقائبك المصنوعة من جلد التمساح ..
واتبعيني ..
إلى جزر المطر ..
والأناناسْ ..
والتوابل الحارقة ..
حيث مياه السواحل ساخنة كجلدكِ ..
وثمار المانغو ..
مستديرة كنهديكِ ..
إرمي كل شيء وراءكِ ..
واقفزي على صدري ..
كسنجاب إفريقي ..
فأنا يعجبني ..
أن تتركي خدشاً واحداً على سطح جلدي .
أو جرحاً واحداً على زاوية فمي ..
أتباهى به ..
أما رجال العشيرة ..
آه .. يا امرأة التردد .. والبرودْ
يا امرأة ماآس فاآتور .. وإليزابيت آردنْ
متحضرة أنتِ إلى درجة لا تحتملْ ..
تجلسين على طاولة الحب ..
وتاكلين بالشوكة والسكينْ
أما أنا يا سيدتي ..
فبدويّ يختزن في شفتيه
عصوراً من العطش ..
ويخبئ تحت عباءته
ملايينَ الشموس ..
فلا تغضبي منّي ..
إذا خالفتُ آدابَ المائدة
ونزعتُ عن رقبتي الفوطة البيضاء
وعريتكِ من ملابسك التنكرية
وعلمتكِ ..
كيف تأكلين بكلتا يديكِ
وتعشقين بكلتا يديكِ
وتركضين على رمال صدري
كمهْرةٍ بيضاءْ
تصهل في البادية ..