استيقظ علي (22 عاما) يوم الأحد الماضي مبكرا كأي يوم آخر في أسرة كبيرة ككثير من الأسر في قرية السكرية بالبوكمال, أسرة تضم ابا وستة أخوة وستة أخوات, لكن ذلك اليوم انتهى وقد بقي سبعة فقط من أفراد أسرته الاثني عشر.
بدا علي يوم الدفن, بعد يوم واحد من الغارة الامريكية التي قتلت الخمسة, منكسرا يجلس برفقة شقيقه ,الوحيد الآن, أمام جثث والده واخوته الاربعة, والألم يملأ وجهه.
في اليوم التالي كان الألم لا يزال في مكانه لكن عليا بدا أكثر تماسكا وقد تجمع حوله العشرات من أقربائه, لكنه آثر مبادلتنا بعض الكلام مجاملة والاعتذار عن الحديث, فتكفل بالمهمة عطيوي العبد الله عم علي.
في ذلك اليوم, الأحد 26 تشرين الاول استفاق داوود العبد الله (50 عاما) مبكرا والتقى مع أولاده الأربعة فيصل (34 عاما وهو الأكبر وأب لثمانية اطفال) وابراهيم (24 عاما وأب لطفلة واحدة) وعليان (18 عاما) وسليمان (16 عاما).
خرج الجميع وبرفقتهم جار لهم هو أحمد خليفة (20 عاما) في السابعة صباحا بسيارتهم الشاحنة الصغيرة إلى عملهم الذي يمارسونه منذ سنوات طويلة ولا يعرف لهم عمل غيره وهو البناء.
في موقع العمل ,على نهر الفرات مباشرة ووسط بساتين واسعة, كان المشهد يوحي بعمل كثير قادم حتى يكتمل المنزل الذي بدؤوا ببنائه منذ ثلاثة أيام فقط, ولم يكتمل سوى جزء من أساساته. عملوا حتى الساعة الخامسة إلا ربعا من عصر ذلك اليوم عندما حانت ساعة النهاية بالنسبة لهم وساعة الصفر لما أسماه العم عطيوي بـ"المجزرة".
أحد الموجودين في صدر مجلس العزاء الذي أقيم لداوود واولاده قاطع الحديث راويا ما قال إنه شاهده بأم عينه, ووصف للجميع كيف اقتربت المروحيات الاربعة منخفضة جدا فوق نهر الفرات وقرب المكان ارتفعت اثنتان وأخذت المروحيتان الأخريتان وضعية الإطلاق ومقدمتها إلى الاسفل وهي تقترب أكثر من الارض.
بدات المروحيتان تطلقان النار على كل الموجودين في الموقع, داوود وأبنائه الاربعة وأحمد وحارس الارض علي عباس (50 عاما) وزوجته.
ويتابع الرجل رواية ما شاهد مشيرا إلى أن إحدى المروحيتين حطت واستمرت الاخرى بإطلاق النار قبل أن تهبط في مكان قريب, عندها ترجل جنود من إحدى المروحيتين ودخلوا إلى الموقع, حيث جالوا على الجثث واطلقوا النار عليها من مسدساتهم عن قرب للتأكد من موت الجميع, لكن زوجة زوجة الحارس نجت بإصابة بالغة.
العم عطيوي كرر كلمة "المجزرة" كثيرا وقدم دليلا على ذلك أن جميع من قتل في ذلك اليوم وجد في جسده عشر رصاصات على الاقل قضت عليهم فورا.
وعند سؤاله عما إذا كان أخوه وأبناء اخيه من تنظيم القاعدة كما قالت الولايات المتحدة, أو خارجين على القانون كما قال العراق, هزأ العم عطيوي مشيرا إلى أن داوود وابنائهم جميعهم من الأميين, ومن درس بينهم لم يتجاوز الصف الرابع ويعملون في البناء مذ كانوا أطفالا صغارا ولم يغادروا سورية ابدا إلى أي مكان سوى الاب داوود الذي جرب حظه للعمل في الكويت قبل عشر سنوات ولم يفلح حيث عاد للعمل بالبناء.
وقال عطيوي "نحن عمال بناء لا نعرف ما يقولون عنه من قاعدة وإرهاب وغيره", متحديا أن يثبتوا كلامهم باي دليل وداعيا موجهي الاتهامات والصحفيين للاطلاع على موقع الحادث الذي كان يفترض ان يكون منزلا من غرفتين على نهر الفرات "وليس موقعا عسكريا يهدد أمن أمريكا" على حد تعبيره.
أحد الموجودين في العزاء وخال علي استغرب هذا الاتهام, وقال "لو كان هناك قاعدة أو إرهاب في منطقتنا لظهر هذا منذ زمن بعيد ولما انتظر إلى الآن .. هذه مبررات الرئيس الامريكي للأمريكيين بالذات".
وعن تفسيره لاستهداف من تم استهدافهم بالذات قال إن "الأمريكيين باتوا يذعرون ويتملكهم الخوف الشديد من أي بناء يبنى حديثا هنا, أصبحوا يخافون من خيالهم ومن يذعر يرتكب الحماقات".
وأبدى الحاضرون قلقهم الواضح على أسر الضحايا, فداوود بقي لديه أطفال لا زالوا صغارا, وفيصل لديه اسرة كبيرة من ثمانية أبناء أكبرهم لا يتجاوز الـ 12 من العمر وهو ضرير وله اخت ضريرة, أما ابرهيم فلديه اسرة صغيرة تضم طفلة واحدة وجنينا سيأتي إلى الحياة يتيما عما قريب.
وتساءل الحاضرون البسطاء عما إذا كانت الحكومة ستعتبر هؤلاء الضحايا الشهداء وتقدم العون لأسرهم, معتقدين ان للصحفي أن يضمن او يعد أو يدق على صدره كما عادة العرب, ووصلت الأسئلة إلى حد قيمة الراتب الشهري الذي سيعطى لذوي الشهداء لمساعدتهم على الكفاف.
لم أملك أمامهم سوى الإعراب عن أملي بأن تحظى هذه الاسر بالرعاية موضحا على استحياء أنني لا املك من أمر الحكومة شيئا.
وفي النهاية رفض علي الحديث عن شعوره وقد أصبح الآن ,وفي يوم واحد, الكبير في ثلاث اسر من 20 فردا, مسؤول عنهم بعد أن كان له أب وأخوان أكبر منه, واكتفى بالقول إنه يتمنى لو بقي صغيرا في مكانه ضمن ترتيب الاسرة التي يجهل كيف سيتدبر أمرها, وهو ليس إلا عامل بناء أيضا.
منزل داود
منزل فيصل
بدا علي يوم الدفن, بعد يوم واحد من الغارة الامريكية التي قتلت الخمسة, منكسرا يجلس برفقة شقيقه ,الوحيد الآن, أمام جثث والده واخوته الاربعة, والألم يملأ وجهه.
في اليوم التالي كان الألم لا يزال في مكانه لكن عليا بدا أكثر تماسكا وقد تجمع حوله العشرات من أقربائه, لكنه آثر مبادلتنا بعض الكلام مجاملة والاعتذار عن الحديث, فتكفل بالمهمة عطيوي العبد الله عم علي.
في ذلك اليوم, الأحد 26 تشرين الاول استفاق داوود العبد الله (50 عاما) مبكرا والتقى مع أولاده الأربعة فيصل (34 عاما وهو الأكبر وأب لثمانية اطفال) وابراهيم (24 عاما وأب لطفلة واحدة) وعليان (18 عاما) وسليمان (16 عاما).
خرج الجميع وبرفقتهم جار لهم هو أحمد خليفة (20 عاما) في السابعة صباحا بسيارتهم الشاحنة الصغيرة إلى عملهم الذي يمارسونه منذ سنوات طويلة ولا يعرف لهم عمل غيره وهو البناء.
في موقع العمل ,على نهر الفرات مباشرة ووسط بساتين واسعة, كان المشهد يوحي بعمل كثير قادم حتى يكتمل المنزل الذي بدؤوا ببنائه منذ ثلاثة أيام فقط, ولم يكتمل سوى جزء من أساساته. عملوا حتى الساعة الخامسة إلا ربعا من عصر ذلك اليوم عندما حانت ساعة النهاية بالنسبة لهم وساعة الصفر لما أسماه العم عطيوي بـ"المجزرة".
أحد الموجودين في صدر مجلس العزاء الذي أقيم لداوود واولاده قاطع الحديث راويا ما قال إنه شاهده بأم عينه, ووصف للجميع كيف اقتربت المروحيات الاربعة منخفضة جدا فوق نهر الفرات وقرب المكان ارتفعت اثنتان وأخذت المروحيتان الأخريتان وضعية الإطلاق ومقدمتها إلى الاسفل وهي تقترب أكثر من الارض.
بدات المروحيتان تطلقان النار على كل الموجودين في الموقع, داوود وأبنائه الاربعة وأحمد وحارس الارض علي عباس (50 عاما) وزوجته.
ويتابع الرجل رواية ما شاهد مشيرا إلى أن إحدى المروحيتين حطت واستمرت الاخرى بإطلاق النار قبل أن تهبط في مكان قريب, عندها ترجل جنود من إحدى المروحيتين ودخلوا إلى الموقع, حيث جالوا على الجثث واطلقوا النار عليها من مسدساتهم عن قرب للتأكد من موت الجميع, لكن زوجة زوجة الحارس نجت بإصابة بالغة.
العم عطيوي كرر كلمة "المجزرة" كثيرا وقدم دليلا على ذلك أن جميع من قتل في ذلك اليوم وجد في جسده عشر رصاصات على الاقل قضت عليهم فورا.
وعند سؤاله عما إذا كان أخوه وأبناء اخيه من تنظيم القاعدة كما قالت الولايات المتحدة, أو خارجين على القانون كما قال العراق, هزأ العم عطيوي مشيرا إلى أن داوود وابنائهم جميعهم من الأميين, ومن درس بينهم لم يتجاوز الصف الرابع ويعملون في البناء مذ كانوا أطفالا صغارا ولم يغادروا سورية ابدا إلى أي مكان سوى الاب داوود الذي جرب حظه للعمل في الكويت قبل عشر سنوات ولم يفلح حيث عاد للعمل بالبناء.
وقال عطيوي "نحن عمال بناء لا نعرف ما يقولون عنه من قاعدة وإرهاب وغيره", متحديا أن يثبتوا كلامهم باي دليل وداعيا موجهي الاتهامات والصحفيين للاطلاع على موقع الحادث الذي كان يفترض ان يكون منزلا من غرفتين على نهر الفرات "وليس موقعا عسكريا يهدد أمن أمريكا" على حد تعبيره.
أحد الموجودين في العزاء وخال علي استغرب هذا الاتهام, وقال "لو كان هناك قاعدة أو إرهاب في منطقتنا لظهر هذا منذ زمن بعيد ولما انتظر إلى الآن .. هذه مبررات الرئيس الامريكي للأمريكيين بالذات".
وعن تفسيره لاستهداف من تم استهدافهم بالذات قال إن "الأمريكيين باتوا يذعرون ويتملكهم الخوف الشديد من أي بناء يبنى حديثا هنا, أصبحوا يخافون من خيالهم ومن يذعر يرتكب الحماقات".
وأبدى الحاضرون قلقهم الواضح على أسر الضحايا, فداوود بقي لديه أطفال لا زالوا صغارا, وفيصل لديه اسرة كبيرة من ثمانية أبناء أكبرهم لا يتجاوز الـ 12 من العمر وهو ضرير وله اخت ضريرة, أما ابرهيم فلديه اسرة صغيرة تضم طفلة واحدة وجنينا سيأتي إلى الحياة يتيما عما قريب.
وتساءل الحاضرون البسطاء عما إذا كانت الحكومة ستعتبر هؤلاء الضحايا الشهداء وتقدم العون لأسرهم, معتقدين ان للصحفي أن يضمن او يعد أو يدق على صدره كما عادة العرب, ووصلت الأسئلة إلى حد قيمة الراتب الشهري الذي سيعطى لذوي الشهداء لمساعدتهم على الكفاف.
لم أملك أمامهم سوى الإعراب عن أملي بأن تحظى هذه الاسر بالرعاية موضحا على استحياء أنني لا املك من أمر الحكومة شيئا.
وفي النهاية رفض علي الحديث عن شعوره وقد أصبح الآن ,وفي يوم واحد, الكبير في ثلاث اسر من 20 فردا, مسؤول عنهم بعد أن كان له أب وأخوان أكبر منه, واكتفى بالقول إنه يتمنى لو بقي صغيرا في مكانه ضمن ترتيب الاسرة التي يجهل كيف سيتدبر أمرها, وهو ليس إلا عامل بناء أيضا.
منزل داود
منزل فيصل