ويجب التيقن أن العولمة الاقتصادية الحالية ( الأمركة) هي مشروع استعماري خطير يحمل لدول العالم وخاصة دول العالم الثالث وبالذات للعرب وللمسلمين كل العدوانية وكل التحديات والأطماع لأنها تهدف إلى تسويق كل مخططاتها ومنتجاتها. فالنظام العالمي الجديد يسعى بكل قوة لتنفيذ مصالح القوة العالمية الدولية ومصالح الشركات متعددة الجنسيات وأنها تسعى لتحقيق التنمية الذاتية وهي بالقطع ستكون معادية لأي جهد وطني، فذلك بنظري يوحد شكل المباني الحديثة في جميع الدول النامية. وإذا اتجهت أنظارنا إلى مشكلة الهوية في دول الخليج فإن (د. مارتن جيزين) عميد مدرسة العمارة والتصميم بالجامعة الأمريكية بالشارقة يقول : إن العمارة في الخليج كما في بقية أنحاء العالم ينبغي أن تتجاوب مع متطلبات المستخدم ومع البيئة الطبيعية التي تتواجد فيها، ولكن من جهة أخرى ركز ( حسن واكد) على أهمية أن تعكس العمارة التوجه الثقافي والديني لكل بلد، وبالتالي فعلى العمارة الخليجية أن تعكس الصبغة الإسلامية لدول الخليج.
ولكن بصفة خاصة يرى (م. بلال حماد) أن مدينة عمان لم تشهد صراعاً بين العمارة التقليدية والحديثة كما هو الحال في بعض المدن العربية الأخرى بسبب كونها مدينة شابة نسبياً، فلا يغلب على بيوتها القديمة طابع بيت الأحواش كما ليس بها الكثير من المباني العالية. وبالنسبة لمدينة دبي يقول م. الرستماني : أن الإمارات دولة بحرية والمصدر الأساسي لرزق الناس كان من البحر لذلك كان للقارب دور كبير في حياة أهلها ولهم حنين خاص إلى السفن الشراعية وقد أدرك المعماريون المعاصرون هذه الحقيقة فبدؤوا في إبراز هذا النموذج من الثقافة في عمائرهم لمبنى الغولف المطل على خور دبي ومبنى برج العرب على شاطئ الجميرة ومنتجع المها على خور دبي جميعهم يعبرون عن الحضارة والتقدم اللذين تشهدهما دبي مستفيدين من الوضع الاقتصادي للمنطقة باستخراج البترول وانتعاش التجارة فبدأت تتجه الأنظار إلى العمارة المعاصرة والقادمة من الدول المتقدمة بكافة ما تحمل تلك العمارة من أفكار في مجال الفكرة التصميمية من إعداد المساقط الأفقية للمشاريع إلى الواجهات الخارجية أو في الخدمات والتقنيات المتطورة في المبنى أو في استخدام فنون البناء الحديثة، وخاصة بزيادة عدد المعماريين المحليين وتأثر هؤلاء بالعمارة المحلية والخليجية على وجه الخصوص وإحساس هؤلاء بإمكان تطوير العمارة التقليدية لخدمة العمارة المعاصرة وقد نجحت مجموعة من هؤلاء المعماريين بتقديم نماذج متميزة من المباني التي تجمع بين المعاصر والمورث.
إن المملكة بدأت تفكر في مدن المستقبل من حيث الامتداد الأفقي للمباني. ودراسة التصميم العمراني الذي يناسب كثافة السكان واستخدام التقنيات ومواد البناء الحديثة وذلك بفضل العولمة الاقتصادية ولكنها تفتقر إلى هوية مميزة أو واضحة لأن مثل مبنى الفيصلية أو المملكة يصلحان أن يكونا مباني في أمريكا ولا يرمزان لتراث المملكة في شئ. فهذا مثال واضح للتأثير السلبي للعولمة الثقافية في المملكة. كما ذكر البرفوسور (دونوفان) في ندوة «مدن المستقبل» في الرياض: ستكون المدن بحاجة لتستجيب لمبادى وقواعد اقتصاد القرن الحادي والعشرين من حيث العولمة المحلية والاستمرارية والتنوع والمسؤولية. وسوف تعمل المدن المتنافسة على تفعيل وتعزيز المعاني الخمسة التي تتكون من الحس المكاني وحس الهوية وحس التطور وحس الملكية وحس المجتمع. وبالطبع سيكون هذا ضرورياً من أجل تعزيز العولمة الاقتصادية وتخفيف حدة العولمة الثقافية.
وعلى الرغم من جميع الفوائد الممكنة للاقتصاد المتعولم( يوجد منها الكثير) فإنه يحمل معه مخاطر الثقافة المتعولمة والتي من خلالها يوجد بعض الفوائد فقط. ولكن ليس من الضروري أن يقود الاقتصاد المتعولم إلى ثقافة متعولمة. في الحقيقة أنها مهمة بالنسبة للاقتصاد من جهة بينما لأسباب أخرى عملية غير مهمة بالنسبة للثقافة. وهذا يتطلب قرارات على المستوى المحلي والإقليمي وخاصة على مستوى المدينة من أجل التأكد من عدم حدوث الثقافة المحلية المتعولمة. وبشكل مشابه فإن تحديث المجتمعات المحلية في بنياتها التحتية ومن خلال الصحة العامة وجودة الحياة لا تحتاج إلى جعل البيئة مبنية على الطراز الغربي. لأن أخذ البيئة كنسخة من مكان آخر سوف لن يكون تطويراً أو أمراً جيداً كما هو الحال لو كانت بيئة أصلية. فاستراتيجية التقليد لبيئة ما تقود المدينة بسرعة وتحولها من شكل خاص إلى شكل عام وتصبح مسافة الوصول من الشكل العام إلى الانعدام والزوال قصيرة جداً.
الحقيقة التي يجب لفت الانتباه لها أن العولمة ليست شيئاً جديداً جاء مع الثورة المعاصرة في الاتصالات والمعلومات. فهي بدأت منذ أن دخلت أو أنتجت أوروبا الحداثة في نهاية القرن الخامس عشر وتسارعت مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وأصبحت واقعاً مع الثورة التقنية الثالثة في القرن العشرين. فالفرق هو في السرعة التي تتم فيها العولمة ومدى أثرها على الكيانات المحلية سواء كانت ثقافية أو اقتصادية أو سياسية . ولكن السؤال المهم والوجودي لنا ما هو مصيرنا وبالأخص مصير عمارتنا في ظل هذه العولمة التي يبدو أنه لاشئ قادر على الوقوف في طريقها؟ وما هو مصير هويتنا وثقافتنا الذاتية وتاريخنا وما هو موقفنا في كل ما يجري؟ وإذا نظرنا إلى المستقبل فإن التكنولوجيا سيصبح لها تأثير أكبر وأهم على تغير استخدامات الأراضي وملامح التصميم الحضري. حيث أنه أصبح بالإمكان الوصول للمعلومات والتواصل مع الأشخاص على بعد من غير أي ضرورة للتواجد في الحيز الفيزيائي والمكاني نفسه ودون التقيد بزمان وبدون حدود. وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي استخدمت في بداية ثورة المعلومات والاتصالات لرفع كفاءة الأداء في المؤسسات بدأت تغير في استخدامات الأراضي والتصميم الحضري.
وفي المستقبل ستحدد منجزات هذه الثورة ملامح المجتمع حيث ستميز جمع المعلومات والاتصالات بالشكل الإلكتروني للمعلومات والاتصال التفاعلي دون قيد زماني أو مكاني ويؤدي ذلك إلى تغيير جذري في تأدية الوظائف الحضارية و إعادة النظر في استعمالات الأراضي. حيث بإمكان الفرد أداء عمله أو دراسته من منزله عبر وسائل الاتصالات الحديثة. فهذا سيؤدي إلى إنشاء السكن بعيداً عن المدن وذلك يقلل من الضغط على المدن. وبذلك فإنه يجب علي المصممين والمخططين استخدام الأراضي والفراغات استخدامات إيجابية تتماشى مع متطلبات العصر الحديث. ولابد من الإشارة هنا إلى أن للوصول لنتيجة إيجابية ومرضية يجب استخدام التكنولوجيا بطريقة صحيحة لأن التكنولوجيا لوحدها لن تؤدي إلى التغيير المطلوب. فهل العولمة هي الخيار الوحيد للناس؟ وهل تعنى العولمة تغيير العالم؟ إن العولمة ظاهرة موجودة فليس هناك إلا عمل واحد، ألا وهو المشاركة في صنع الثقافة العالمية الجديدة وإلا فإن الرفض المطلق لن يؤدي إلى أن نتيجة بل إن مثل هذا الرفض سيؤدي في النهاية إلى القضاء على الهوية الثقافية الذاتية، لذلك يجب أن نثق بقدرتنا على المواجهة و أن هويتنا الحضارية راسخة. فالعولمة في النهاية لا تعني بالضرورة أحادية الثقافة، بقدر ما تعني الثقافة المشتركة التي تقوم في إطارها الثقافات الذاتية لمختلف الشعوب.