العمارة الخضراء هى عمارة المستقبل
د . فتحي رجب العكاري
المنارة- 04-02-2010
د . فتحي رجب العكاري
المنارة- 04-02-2010
لقد ارتبط تاريخ البشرية في هذا الكون بعمارة الأرض و العيش عليها و معها و بها. و تطور هذا التعمير بأشكال و أنماط مختلفة عبر التاريخ بعضها تميز بالتعايش مع البيئة و الحفاظ عليها بينما أهمل هذا الجانب فى فترات عديدة جريا وراء الكسب السريع أو الحلول المؤقتة و كل هذا تأثر بالدرجة الأولى بثقافة العصر السائدة. و العمارة الخضراء أو الصديقة للبيئة و المنسجمة مع نواميس الكون هي تلك العمارة التي تحافظ على نظافة البيئة و جمال الطبيعة و توفر المحيط المناسب للحياة على الأرض بشكل مريح.
شعار العمارة الخضراء تصميم المعماري أنس العكاري
و نحن فى هذا العصر الذي طغت عليه المادة نرى بأم أعيننا صدق ما قاله الله سبحانه و تعالى في كتابه الحكيم: 'ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس' ؛ و نلمس هذا فى تلوث الجو بالغازات الضارة و تلوث البحر بمخلفات المصانع و تلوث البر بالنفايات و تلوث الأنهار بمياه الصرف الصناعي ، و ارتفاع درجة الحرارة في الأرض بسبب الاحتباس الحرارى الناجم عن كل هذا التلوث ثم في النهاية تلوث صحة الإنسان و الحيوان و النبات و تدهورها من جراء كل هذه الظواهر مجتمعة. إنها في النهاية دائرة مغلقة متصاعدة بشكل يهدد الحياة على الأرض بجميع أشكالها.
و تنطلق العمارة الخضراء عبر عدة محاور أصلها هو التناغم مع خلق الله و نواميسه في هذا الكون. و المحور الأول يرتكز على أسس التصميم المعماري بما يخدم الاستخدام الأمثل للإمكانات المتاحة من حيث الفراغات المثلى و ملائمتها لحاجة المستخدم ، و المواد المستعملة الصديقة للبيئة و الألوان و الأشكال الملائمة للطبيعة المحيطة و الاستهلاك الاقتصادي لمصادر الطاقة، ثم بالإعتماد على أسليب التدوير لإعادة استخدام المخلفات الناتجة من البناء أو الاستعمال. و هنا يجب أن لا يفوتنا أن نؤكد على ضرورة اللجوء إلي المعماري المتخصص في أعمال التصميم و يتضح هذا جليا فى الصور الآتية.
لا ينسجم هذا المبنى مع جمال الطبيعة فى سوسة
تناغم المبنى مع الطبيعة
تناغم المبنى مع الطبيعة في سوسة
و المحور الثاني يؤسس لأساليب إنتاج مواد البناء بالإستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بما يضمن سهولة إعادة استعمالها و تدويرها من جديد، و كما نعلم هناك بعض المواد المستعملة الآن لا تقبل التدوير و يصعب التخلص منها بأساليب صحية بيئيا. ثم تأخذ في الاعتبار خواص هذه المواد من المزايا الاعمارية و هي درجة العزل للحرارة و الصوت و طول العمر المفيد و القدرة على تحمل الاحمال، أي الصفات الميكانيكية.
عازل حرارى داخل الجدار
عازل حراري مناسب للمسطحات
نوافذ ذات عزل حراري عالي
أما المحور الثالث فيعنى بأساليب البناء بحيث يستعمل البناؤون الموارد و القدرات لإتمام المبنى بأسلوب إقتصادي من حيث كمية المواد و استهلاك الطاقة و زمن التنفيذ و جودة المنتج. فعلى سبيل المثال يمكن تيسير عملية البناء بإستخدام وحدات بناء خفيفة الوزن عالية العزل و سهلة التجميع و التركيب.
أرضية خشبية فوق عازل حراري
أما المحور الرابع و فهو الاستخدام و الاستعمال المستديم للمبنى بما يحقق الحفاظ على البيئة باستخدام إقتصادي لمصادر الطاقة و بتدوير المخلفات و صيانة المبنى حسب المواصفات المطلوبة.
أسقف معشبة
ثم يأتى المحور الخامس و الذي يعنى بإستخدام الطاقات المتجددة فى تزويد المبنى بما يحتاجه من إضاءة و تكييف لدرجات الحرارة صيفا و شتاءا و من تسخين للمياه بالطاقة الشمسية أو الطاقة الجيوحرارية ، أو فى توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الخلايا الشمسية و الرياح، كذلك يعنى بتجميع و تخزين مياه الأمطار و استغلالها الاستغلال الأمثل.
تسخين المياه بحرارة الشمس
كهرباء من الرياح
خلايا شمسية لتوليد الكهرباء
و يمكن تحديد أهم مزايا العمارة الخضراء فى النقاط الآتية:
التصميم الإقتصادي الذي يستعمل الفراغات بكفاءة عالية تناسب حاجة المستخدم.
التصميم المعماري الملائم للبيئة المحيطة.
الإستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بالمنطقة.
استخدام مواد البناء الصديقة للبيئة من حيث العزل الحراري و الصوتي و التدوير.
استخدام أساليب البناء الصديقة للبيئة و تدوير المخلفات.
الاستعمال الإقتصادي للطاقة بالمبنى.
الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
معالجة و تدوير جميع المخلفات و الاستفادة منها.
تجميع و استغلال مياه الأمطار.
إستخدام أساليب الري الاقتصادي.
توفير جو صحي و مريح للمستخدم من حيث درجات الحرارة و الضوضاء و الإضاءة.
أما من الناحية المادية فإن البيت الاقتصادي ليس بالضرورة هو البيت الرخيص، و المردود الهام لأي مبنى يكمن فى درجة الاستفادة و تكلفة هذا الاستخدام عبر السنين. و لقد ثبت فى كثير من هذه المباني فى أوروبا أنها اقتصادية على مدى عشرة سنوات بالرغم من أنها لازالت في طور التجريب و لم تكتسح السوق بحجم كبير يساعد على انخفاض الأسعار.و بالنسبة لمنطقتنا حيث الطاقة المتجددة موجودة بوفرة و المياه شحيحة جدا فإن الوقت قد حان لولوج هذه التقنية، و لقد استعمل الإنسان العربي في القديم أنماطا من البناء هي أكثر صداقة للبيئة مما نراه في القوالب المستوردة لتقنية البناء في الوقت الحالي.
و في خضم النهضة العمرانية الحادثة في وطننا الحبيب و بشكل غير مسبوق حجما و إمكانيات مادية و تنفيذية أتوجه الى المسئولين عن هذا القطاع بضرورة الإسراع فى بعث و تطوير أساليب العمارة الخضراء في وطننا الحبيب كي ندخل عصر الصداقة مع البيئة و عصر الطاقات المتجددة بمختلف أشكالها، و بالتالي تثمر هذه الاستثمارات في تطوير حياة و ثقافة المواطن الليبي لعدة أجيال. و بالتأكيد هذا سوف يساعد على دعم الشركات و المؤسسات المهتمة بمثل هذه التطورات و يساهم في نشر الوعي البيئي والمعماري السليم في المجتمع الليبي.