ولدت فكرة المنزل الذي صممه الدكتور المهندس رئيف مهنا وأشقاؤه الدكتور زياد والدكتور شجاع في قرية بصير وسط محافظة درعا من رحم الأصالة والتراث وإمكانية حل المشكلات المحتملة في العمارة وبما يتوافق مع العصر الحديث ومتطلبات الرفاهية.
وانطلق الأشقاء مهنا في فكرتهم من أن التراث عبارة عن منطق وفلسفة وتقديم حلول للمشكلات التي تواجه الانسان ماديا وفنيا عند بناء المنازل.
وقال مهنا " إن فكرة هذا المنزل المؤلف من طابقين والمبني على شكل قبوات تقوم على أساس تقديم معطيات الحداثة بلغة الماضي حيث يجمع في مواصفاته الفنية والإنشائية مقومات المتانة والصلابة والجمال لذا انطلقت من مجموعة الظروف الاقتصادية التي عاشتها سورية قبل 30عاماً وفي الوقت نفسه من إمكانية تطويع طريقة البناء التي ابتكرها أهالي حوران قبل مئات السنين في تصميم المنازل باستخدام الربض والميزان وهي طريقة في تنظيم حجارة السقف ورصفها وتطويرها بما يتواءم مع العصر الحديث " - حسب سانا - .
وبين مهنا أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة دمشق أنه تقدم عام 1980 خلال المؤتمر الوطني للإبداع والاعتماد على الذات بمشروع لتصميم منزل بمساحة طابقية 660 متراً مربعاً مادة البناء الأساسية فيه هو حجر البازلت الطبيعي الذي تشتهر به منطقة حوران دون أن يعتمد هذا المنزل على أي نوع من الحديد في عملية الإنشاء القواعد والاعمدة والسقف ويحتاج لكميات قليلة من الإسمنت إذ يقوم بناؤه على استخدام الطريقة التقليدية في بناء المساكن في المنطقة مع معالجة نقاط الضعف التي اعترت هذه الطريقة وحل المشكلات المحتملة كالانهيار وقلة مقاومة الزلازل ومشكلات التربة الحمراء وغلاء مواد البناء الحديثة حيث اعتمد هذا المنزل على حسابات دقيقة في التكاليف والزمن والتدفئة شتاء والتكييف صيفا واتجاهات الرياح والاستفادة من اشعة الشمس في تخفيض استخدام الطاقة مع الحفاظ على القيمة الجمالية.
ولفت إلى أنه يمكن استخدام الطينة الاسمنت المخلوط مع الرمل الابيض داخل القبوة أو الاستغناء عنها كذلك يمكن نقش الحجر قبل بنائه وبالتالي تظهر النقوش في هذه القبوة بعد رفع الدف والاقواس ويمكن استخدام الطينة الملونة بسماكة رقيقة وتغطيتها بأكياس نايلون ثم رفع الاكياس وبالتالي تظهر النقوش على الطينة من الداخل موضحاً أن الطرق المتعددة في تشكيل القبوة من الداخل وفرت الوقت الذي تستغرقه أعمال الديكور والمواد المستخدمة في التصاميم المختلفة ما يعني تحقيق وفورات مادية حقيقية.
وأشار إلى أن زمن البناء الفعلي للمنزل استغرق عاماً ونصف العام ليصبح جاهزاً للسكن وبتكاليف تعادل ثلث منزل مشابه لو استخدم الحديد وسبع الزمن المطلوب للإنشاء في ذلك الوقت وبتكلفة اسمنت عادلت 8ر1 مليون ليرة سورية في الثمانينيات مبيناً أنه عمد الى توجيه المنزل الى الجنوب والشرق وعزل الجهتين الشمالية الغربية واستخدام سماكات متعددة للجدران إذ تراوحت بين 70 سم للداعمة و40 سم لباقي الجدران.
وأوضح أنه تم اختبار مدى مقاومة المنزل للزلازل قبل عدة أعوام فوجد أن القبوة البسيطة المدعومة انشائياً تتحمل 4 درجات على مقياس ريختر أما القبوة المدعومة ذات الجدران المتعامدة أو المتقاطعة مع قبوات أخرى فتتحمل 6 درجات على المقياس نفسه مشيراً إلى أن اعتماد وحدات الإنشاء في البناء يسمح بهدم أجزاء من المنزل دون تأثر الباقي كون كل وحدة منفصلة عن الأخرى انشائياً ما يعني إمكانية إحداث تغييرات في الديكور واجراء تصليحات للبناء بأقل التكاليف.
وأضاف مهنا أنه تم نقل طريقة البناء إلى عدد من مساكن القرية وعدد من المناطق المجاورة لكن باشكال أحدث حيث أدخل الحجر الكلسي الابيض في البناء واستخدمت النقوش المتطورة والديكورات إضافة إلى استخدامه في الابنية المدرسية وبعض الأبنية الحكومية الأخرى ما يؤكد قابلية هذا التصميم للتطوير مستقبلاً وإمكانية إنشاء طوابق متعددة إلا أنها تحتاج لمساحات واسعة كون الجدران سميكة.
وأشار مهنا إلى أن غلاء اليد العاملة في بناء الحجر البازليت أدى الى ارتفاع التكاليف لكنها تبقى أقل من الأبنية الحديثة.
وكان هذا التصميم الإبداعي حصل على جوائز عالمية متعددة أهمها جائزة الآغا خان العالمية في العمارة وشهادة منظمة الوايبو العالمية للحماية الفكرية وجائزة المستوطنات البشرية الصادرة عن منظمة الهابيتا الموئل وجوائز المشروع المعماري والأكاديمية الدولية المعمارية في صوفيا
بلغاريا.