(( العين
))
" قالت العين يوماً لرفيقاتها الحواس : إنني أرى وراء هذه الأودية جبلاً مبرقعاً بالغيوم
فما أجمله جبلاً .
فأصغت الأذن هنيهة لحديثها ثم قالت لها : أين ذلك الجبل الذي تنظرين إليه إني لا أسمع
صوته ؟
ثم قالت اليد : أما أنا فعبثاً أحاول أن أشعر به أو ألمسه فليس هنالك جبل البتة .
و قال لها الأنف : إنني لا أستطيع أن أفهم كيف يوجد جبل و أنا لا أقدر أن أشمه .. ألا
إن وجوده لمستحيل .
فتحولت العين إلى جهة أخرى ضاحكة في ذاتها ..
أما الحواس الأخرى فعقدن مجلساً يبحثن فيه عما دعا العين إلى مثل هذا الضلال ..
و بعد البحث و التحقيق قررن بإجماع الآراء : إن العين قد خرجت و لا بد عن صوابها "
جبران خليل جبران ،،
o o o
أعتقد بأن العين في نص جبران ترمز إلى ( الإنسان المتحرر ) الذي يرى مالا يستطيع
المجتمع رؤيته ..
فالعين قادرة على استيعاب حقيقة وجود الجبل .. في حين أن باقي الحواس لا يمكنها
ذلك !!
و قد أشار جبران في نهاية نصه إلى رفض المجتمع للأفكار الجديدة ..
فقد ألصقت الحواس صفة الجنون بالعين .. لأنها استطاعت رؤية حقيقة لا يمكن لبقية
الحواس إدراكها !!
فالجنون أحياناً هو أن تكون عاقلاً بين مجموعة من المجانين ..
تأمل معي صفحات التاريخ و ستجد أن أكثر من اتهموا بالجنون هم :
الأنبياء و المفكرون و الفلاسفة ..
فالعرب قديماً اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون .. ليس لأنه مجنون فعلاً ..
بل لأنه خالف العقل الجماعي المخطئ في تفكيره بالأصل ..
فالجنون أحياناً هو أن تكون العاقل بين مجموعة من المجانين !!